“سايكو” مالئ عين المشاهد، ومحتوى يشغل حديث الناس

 

منذ عامين سجل المسلسل الدرامي “سايكو” حضوره على الصعيد الإنتاجي ضمن الموسم الدرامي إذ كان يذخر بالكثير من الأعمال التي امتازت بغناها وتنوعها، لاسيما المعاصرة منها ما حاكي قضايا المجتمع المحلي. وحافظت هذه الأعمال على استمراريتها كل عام وأصبحت تتطرق لمواضيع شخصيّة تكشف عوالم النفس البشرية، وغيرها  ما يحاكي القضايا السياسية وانعكاسها على المجتمع السوري من فساد مؤسساته وحال العلاقات بين أفراده.

كثيرة هي الطروحات الدرامية الراصدة لهذه الحالات، والمواكبة لحياة المجتمع منذ بداية الأحداث، لكن وجد بعض صناع الدراما السورية في الحديث عن ذلك سلاحاً ذا حدين، من ناحية محاكاة الواقع، ومن ناحية  دفع المنتج الفني الثمن ألا وهو عدم توزيع مسلسله على شاشات الفضائيات العربيّة حسب اختلاف وجهات النظر حول الأوضاع التي كانت تعصف بالبلاد.

لم يكن أمام أصحاب هذه الصنعة سوى خيارين أحلاهما مرّ، هما إما إنتاج أعمال درامية تحاكي الوجع المحلي السوري وتُعرض أيضاً على شاشات القنوات المحليّة، أو العودة في المخيلة إلى مرحلة ما قبل الحرب السورية وإنتاج مسلسلات درامية تعكس لسان حال المجتمع السوري آنذاك لضمان انتشارها محليّاً وعربيّاً.

لكن ثلة من الكتاب الدراميين تمسكوا بروح الثبات وراحوا بأقلامهم يكتبون مسلسلات تنسج خيوط حكاياتها من الخيال مع لفت النظر للواقع المعاش، خير مثال على ذلك مسلسل(سايكو) تأليف الثنائي أمل عرفة وزهير قنوع ومن إخراج كنان صيدناوي، وإنتاج شركتي الأمل وزوى للإنتاج الفني .

يندرج الطرح تحت إطار العمل الكوميدي الاجتماعي، إذ يحاول فضح فساد مؤسسات المجتمع خصوصاً رجال الأعمال وشركائهم من بعض رجال الدولة، إلى جانب تقديم صورة معاناة أحد الأفراد من المجتمع المحيط بها نظراً لقولها الصدق، الذي يتسبب لها بمشاكل كثيرة ظالمة.

من هنا تدور أحداث العمل “سايكو” على صراع الخير والشر بطريقة ساخرة، حيث نرى شخصية الصحفية النزيهة “وصال سايكو” تجسدها الفنانة أمل عرفة، وبحوزتها عدد من الوثائق تكشف من خلالعا حقائق فساد الجماعة المعنية محفوظة ضمن قرص مضغوط سي دي، تتمحور أحداث العمل حوله. إضافة إلى باقي الشخصيات التي تجسدها النجمة أمل عرفة المتفرعة من “وصال”  كأختها التوءم “دلال”  المسالمة الحالمة وعمتاها صاحبتا الشخصيتان المتضادتان ، بين المدرّسة الملتزمة والمغنية التائهة، إلى جانب شخصية جدتها الفاقدة لذاكرتها وكأنها مستقاة من وحي الأفلام الكرتونية.

على الرغم من نمطية الشخصيات الخمس إلى أن احترافية أداء النجمة أمل عرفة لهم، وإتقان المخرج كنان صيدناوي في تركيبهم بالمشاهد أظهرهم بطريقة لافتة، فإلى جانب امتلاك كنان لتجربة عميقة في فن الخدع البصرية وعمليات المونتاج الفنية التي وظفها ضمن وليده الأول، لكن انغماسه في ترجمة هذه الموهبة أنسته دوره الآخر كمخرج في العمل إذ فلت من يديه فنُّ إدارة الممثلين ضمن الكوادر، وبدا ذلك جلياً أمام عين المشاهد.

أما إطار الشر ظهرت ملامحه على  شخصية “جوزيف ” الفنان فايز قزق المترأس للعصابة الفاسدة التي تسعى للقضاء على سايكو بالتعاون مع فريقه ومنهم الفنانة نظلي الرواس حيث برعت بإتقان هذه السمة في شخصية “سارة”.

أما بالنسبة لشريكهم “جواد ” الذي يمثله الفنان محمد قنوع، أراد كاتبا العمل من خلاله إضفاء لمسة السخرية من هذه المجموعات الفاسدة التي يكون أغلب أصحابها متسمين بالغباء، سواء من خلال طريقة تعاطيه مع القضية أو انتقائه لمساعديه البلهاء: ” كأبو عكر “الليث مفتي و” أبو نارة” ماهر شقرا.

لا يصيب حجر المغامرة مع “وصال سايكو”، سرعان ما يتعرض السي دي للضياعً فتصطدم بحالة البحث عنه من جديد ليساعدها في ذلك مجموعة من الشخصيات التي أدنى ما يقال فيها أن وجودها هو حشو درامي لا أكثر في الطرح، كشخصية ” صباح ” الممثَّلة بالفنانة روبين عيسى أخت خطيبها صبحي، ذاك العاشق الولهان لحبيبته “سايكو ” والذي أفرط في تجسيد ملامح شخصيته الضعيفة الفنان “فادي صبيح” ليقوم بمساندتها رغماً عنه، بالمقابل برع “أبو النور” الذي قام بأداء دوره النجم أيمن رضا بتحمل زوجته العمة “حكمت” وإتقانه المحكم للشخصية ومنحه حس الفكاهة المطلوبة في الأعمال الكوميدية.

أيضاً ينضم لدائرة الحشو بالشخصيات الدرامية ثلة من الأدوار التي جسدها نجوم عرب كشخصية الأرملة الشريكة للعصابة للفاسدة التي تقطن في الشام اللبنانية “رولا شامية” وغيرها من الممثلين اللبنانين كـ “ماريو بسيل” و”طارق تميم” ، وظهور النجم “مروان خوري” وغيرهم وإن وجد مايبرر مشاركتهم فهو نظرة الجهة المنتجة لهم كروت تسويقية رابحة، لتدرج المنتَج  “سايكو” تحت إطار عمل عربي مشترك.

لكنها بالمحصلة كانت جواكر خاسرة ، لأن العمل بنهاية مطافه حطت رحاله عبر محطة سورية الهوية آمنت به رغم مرور عامين على إنتاجه ، ومنحته فرصة الظهور المنفرد عبر عرضه على شاشتها ، ألا وهي قناة “لنا” الفضائية المتخصصة بالمجال الدرامي الفني والتي نأمل أن تصبح حجر الدومينو المنقذ لأي عمل درامي سوري حاله كحال مسلسلنا “سايكو” الذي نتحدث عنه.

خمس عشر حلقة من العمل قُضيت ومازالت أحداثه تدور على هذا المنوال من الصراعات القائمة فيما بينهم على المستوى المهني المجسد بقضية “السي دي”، يرافقه صراع المستوى الشخصي المتجسد بعلاقات الحب  وانكساراتها التي صيغت بقالب خاص.

ولأن العبرة في الخواتيم مازلنا ننتظر نهاية تغير الرؤية الأولية التي شُكلت حول مسلسل “سايكو” الذي أصبح الحديث عنه لسان حال كل من يتطرق بالشأن الدرامي، سواء أكان يعنيه أمرها أم لا…