الفن السابع في سورية: من برنامج ممل إلى فيلم رتيب

 

 بقلم الفنان بسام هاشم

تعرفنا في سورية على الفن السابع  (السينما)  من خلال البرنامج التلفزيوني الذي كان يُعرض نهاية كل أسبوع على القناة الأرضية تحت عنوان  (الفن السابع). كان البرنامج من إعداد وتقديم أحمد الأحمد الذي غدا اليوم وزيراً للثقافة وفيه يتطرق غالباً إلى أفلام سينمائية من مختلف أنحاء العالم، مخصصةً للنخبة، و قد حصل صنّاعها على جوائز من مهرجانات عالمية ولكنّها لم تحقق جماهيرية في الشارع العربي على الأقل.  وقد حاول القائمون على هذا البرنامج لفت المشاهد إلى نوعية أخرى من السينما بعيداً عن “جاكي شان وبروسلي أو فاندام” الأشهر في وقت مضى، مسلطين ضوءاً خافتاً ما يبعث حالة من الرتابة والملل في أغلب وقت البرنامج.
وأعتقد بأن هذا البرنامج لم ينجح في تقديم نفسه ومضمونه لغالبية المشاهدين، وإنما اقتصر على النخبة فقط من المهتمين في المجال السينمائي في ظل غياب البث الفضائي ومصادر المعلومات على الإنترنت في ذلك الوقت  وليس ببعيد عن هذا البرنامج كانت المؤسسة العامة للسينما ومازالت حتى يومنا هذا، هي المنتج الوحيد للسينما السورية على مر عقود من دون منافس أو شريك مكررةً بذلك نفس حالة الملل التي كنا نعيشها أسبوعياً على القناة الأرضية ولكن بشكل أوسع وأدق من خلال تأطير الإنتاج السينمائي السنوي من الأفلام باثنين أو” فيلم ونصف فقط” بحسب تصريحات رسمية من قبل المسؤولين في المؤسسة. وإذا ما حاولنا جاهدين وبشق الأنفس أن نبحث عن عنصر إيجابي ضمن الحالة القاتمة التي عاشتها ومازالت السينما في سورية تعيشها، فلا يمكن أن نجد سوى وجوه سينمائية سورية أبقت الفن السابع على قيد الحياة وحافظت عليه من الزوال ما يمكن تسميتهم  ب”الرواد”؛ حيث قدموا كل ما لديهم من موهبة فنية ودراسة اكاديمية داخل ذلك المشهد السينمائي العريض، باحثين فيه عن نافذة جديدة لعرض مواهبهم التي برزت و نجحت في المسرح والتلفزيون. ولكن للأسف لم يجذبهم هذا المشهد العريض  طويلاً، وذلك بسبب قلة الموارد المالية والإمكانيات الفنية التي جعلت من السينما السورية بعيدة عن المنافسة العربية.

وهكذا تحول نجوم الفن السابع السوري إلى السينما المصرية وتألقوا فيها أجمل تألق، مستمرين كذلك في عطائهم اللامحدود في المسرح والتلفزيون. وخلال العقد الماضي ظهرت محاولات سينمائية شابة تنبض بالتطور وتحمل بين طياتها روح المنافسة على المشهد السينمائي في سورية من خلال القصة والتقنيات الفنية والإخراجية مع ميزة أنها إنتاج سوري خاص وكما في كل مرة لم تبقَ هذه الحالة طويلاً، وتوقفت بعد صراع مرير مع البيروقراطية المؤسساتية وبعض الحاسدين على النجاح الخاص للقطاع السينمائي في سورية. علماً أنها قد تكون الخطوة السينمائية الخاصة الوحيدة التي نجحت منذ اللحظة الأولى بجدارة وإن حجبت بعض عروضها من العرض داخل سورية حتى اليوم.
وبعد الأحداث السياسية والاجتماعية الأخيرة التي ظهرت في سورية، ومع غياب أصحاب الخبرة السينمائية في بلاد المهجر الذي غادر منهم من غادر، ومنهم من ينتظر وهو يعيش دور “المنسيين”، وقد بدأت تهيمن حالة من الفوضى الفنية وخصوصاً في السينما، لنشاهد عدة أعمال أُطلق عليها “أعمال سينمائية” تحاكي مجريات الواقع السوري بطريقة رخيصة وتجارية لجذب المتفرج من خلال الدمعة ومشاهد القتل والدم والإجرام أو تتبع لأجندات سياسية فتقحم في طرحها أسئلة كبرى مع محاولة إيجاد إجابات لا تخلو من التلقين النظري أو الطرح السطحي. وما يزيد الطين بلة هو حالة إقناع النفس التي يعيشها صناع هذه الأشرطة ظناً منهم أنهم يقدمون الأفضل للسينما السورية والمشاهد. لكنهم في الحقيقة يطفئون آخر ضوء على هذه الصناعة وكأنهم يجعلون منها ذكرى لا غير، مقابل أمل الجمهور المتعطش للسينما بغدٍ أفضل على أيدي السينمائيين السوريين الذين يحاولون جاهدين صناعةَ سينما سورية تنتمي للمجتمع والناس أينما كانوا في الداخل والخارج.
في النهاية لا بد لي أن أُذكّر بأن السينما ليست صورة عرضية بشريط أسود وصمت قاتل وأفكار عبثية غير مرتبة ولامنظمة وحركة كاميرا غير مبررة وألوان غريبة بعيدة عن الواقع. السينما يا أعزائي روح يخلقها الكاتب ويبقيها على قيد الحياة المخرج ويزرعها في النفوس الممثليين حتى تصل للمشاهد وتبقى خالدة معه للأبد لأنها في رسالتها جزء من تاريخ الشعوب وذاكرتهم الفنية البصرية.