أهلاً بكم في دراما “مكافحة الإرهاب”

 

منذ مطلع عام الألفين و

منذ مطلع العقد الماضي وبالأخص أحداث 11 سبتمبر، لم تفارق الشاشات العربية عقب كل حدث عالمي لجماعة إسلامية متشددة أعمال الدراما الناقدة لفكر هذه الجماعات والكاشفة كما يريد صناعها لأسرار هذه التنظيمات وعقائدها. كثر البذخ الخليجي على غالبية هذه الأعمال كالطريق إلى كابول والطريق الوعر والحور العين، لكنها ظلت قليلة العدد إذا ما قيست بأهوال انعكاس الفكر المتشدد على المنطقة أو بحجم الكم الدرامي العربي المنجز سنوياً.

اليوم وبعد ثلاثة أعوام على أفعال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسورية وتبني التنظيم لأعمال عنف وتفجيرات في دول عديدة من العالم، كان على الدراما أن تأخذ شكل المدافع عن مدنية المجتمعات العربية وفكرها المعتدل. في الوهلة الأولى يبدو الدفاع شكلاً راقياً من الفن وسلاح لا يعتمد على العنف بل على الفكر. لكن ما حدث كان العكس، فالدراما العربية ولاسيما المصرية توجهت نحو إسقاط تهمة الإرهاب على شخصية رئيسية في غالبية أعمال الموسم، وبدأ الحديث عن خلفية إرهابية لجريمة أو تفجير أو حادثة خطف من الحلقة الأولى في عدة أعمال كأرض جو وظل الرئيس. الإرهاب بالعنوان العريض لم يغب عن دراما مصر في المواسم الأخيرة في سياسة متوافقة مع توجه الإعلام المصري لإقناع الجمهور بضرورة مكافحة هذه الجماعات، ولو جاء ذلك على حساب كثرة مسلسلات الجريمة وتصوير بطل المسلسل ضابط الشرطة على أنه الرجل الفذ. فلم يغب “بوكس” الشرطة عن أي مسلسل مصري وزارت الكاميرات مخافر الشرطة والمحاكم أكثر من أي مكان آخر، في حين بدأ بناء درامي جديد للشخصيات يقوم على الإرهاب الفكري. فإذا ما وضع في سياق غير مناسب، قد يشجع على تقبل الضرب والجريمة وتسرب مفاهيم العنف بشكل يزرع في ذهن الناس العنف كنمط حياتي اعتيادي، ويضخم بالمقابل مكانة رجل الشرطة والأمن في أعين الجمهور.

سورياً لم يختلف الوضع كثيراً، فحضر الإرهاب في عدة أعمال خلال المواسم الماضية. ولكن أبرزها لهذا الموسم مسلسل شوق والذي يحاول التهرب من معالجة الواقع المتغير بسرعة عبر معالجة فترة بدأت وانتهت بين عامي 2012 و 2014. النص يناقش في طياته قصة نساء مختطفات عند مجموعة مسلحة محاولاً تقديم صورة مجتمعية عن أطياف عدة من النساء قادمات من مناطق عدة، أما حجة اختطافهم فهي استمرار عملهم مع “الحكومة”. هنا يتبنى النص فكرة سعي المجموعات المسلحة لتخريب الحياة العامة في سورية ويقدّم ظروف الاختطاف لرفع درجة الإحساس بالمعاناة لدى الجمهور، بذلك سيظهر الموت الأسود على أطراف العاصمة معاكساً للحياة الهادئة التي تعيشها عائلة شوق في دمشق. وإذا ما ابتعدنا عن الرؤية المنقوصة لعمل نفذ كاملاً في سورية، سنجد فرضية الإرهاب تبلغ الحدود السورية اللبنانية على لسان بطل الهيبة الذي تنتابه حالة من القلق أن ينعت بالإرهاب. رؤية صناع الهيبة أن يظهر بطل المسلسل على أنه رجل مقدام يتاجر بالسلاح ويحافظ على عادات عشيرته هو مبرر طالما هو يقف في وجه الإرهاب. وكأن المسلسل يبرر بشكل ما تسلح المناطق الحدودية كسباً لرضا جمهور هذه المنطقة عن العمل من ناحية، وتبرير مفهوم القوة في مواجهة الإرهاب دون أي ذكر أو توضيح لماهية “الإرهاب” الذي يخشاه شيخ الجبل.

في الكوميديا الإرهاب سيحضر بالعبارات الدالة والمقحمة في كثير من الأحيان ولاسيما في مسلسل أزمة عائلية. لفظ “الكيماوي” لم يغب في أغلب الحلقات والتحسر على الأحلام البريئة في حرية الرأي والتي صادرها الإرهابيون مستغلين طيبة الشعب وانجراره وراء عواطفه. وبعيداً عن صحة الإسقاط من عدمه، يجب السؤال عن ماهية تحمل هذا النمط من الكوميديا الخفيفة لمفاهيم الإرهاب ومسبباته ولو جاءت على سبيل النكتة.

ليظل العمل الأكثر جدلاً الذي كثر الحديث عنه من حلقاته الأولى “غرابيب سود”. عشرة ملايين دولار وتكتم لمدة عام ونصف بشكل مطبق، تهديدات أدت لانسحاب ممثلين وتهديدات استمرت أثناء العرض. والمسلسل العربي الأول عن تنظيم داعش انقسم الجمهور عليه بين مؤيد لفضح ممارسات التنظيم ومراعاة جهود من عملوا به وعرضوا حياتهم للخطر، وبين مهاجم لتصوير التنظيم من زاوية جهاد النكاح والرغبات الجنسية دون الغوص في تفاصيل أكثر أهمية في تعرية التنظيم ومصادر تمويله والداعمين له. وبنظرة بسيطة للمواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية يظهر الأثر الكبير للدراما في وقت الأزمات، فغرابيب سود تحول خلال أسبوع واحد لبساط يشده كل طرف إلى الجهة التي تحقق غايته. فتعقد من أجله اجتماعات إعلامية في الشركة المنتجة ويصبح مثاراً للتراشق السياسي بين دول متضادة في التوجهات من أجل تصفية الحسابات. ووسط ذلك كله يقدم يومياً جرعة شديدة القسوة أبطالها أطفال ونساء وقتل مجاني لأي ممثل يحتويه العمل.

ألهذه الدرجة أصبح القتل مباح في الدراما؟ وأين تقف الرقابة الفنية في الدول العربية أمام كل هذا التعنيف الفكري والجسدي؟ فإذا كان العالم يعرف الإرهاب كلٌّ بحسب ما يلغي وجوده واستمراريته. فما ذنب الدراما العربية المترهلة فكرياً في أغلبها من أن تحمل ما لا طاقة له به؟! وما ذنب الجمهور أن يلاحقه الإرهاب حتى في الدراما بعد هروبه من الأحداث الوجعة والأخبار الأليمة؟!