مسرحية اختطاف: من اختطف الآخر؟!

 

دمشق – جوان الملا / أنس فرج

انتهى يوم الخميس في العشرين من نيسان عرض مسرحية اختطاف على خشبة مسرح الحمراء في دمشق لتبدأ بعدها مطلع أيار عروض اختطاف في محافظات حمص، طرطوس واللاذقية.

اختطاف عرض مسرحي قدمه الفنان أيمن زيدان وشاركه في الإعداد الكاتب محمود الجعفوري، وهو عن نص للكاتب الإيطالي داريوفو. أما عن نجوم العرض فكانوا لوريس قزق، لجين اسماعيل، توليب حمودة،  نجاح مختار، خوشناف ظاظا،  وأنطوان شهيد .

كان لهذه التوليفة السداسية مع عرابها زيدان نغمة راقية استعاد معها الجمهور السوري بعضاً من روح المسرح وتميزه، فاختطف الجمهور ساعة من الزمن ولكن من اختطف الآخر في المحصلة؟!.

تبدأ القصة بالتنويه لاختطاف رئيس الوزراء ألدومورو منذ فترة الذي لم تُلَبِّ الدولة مطلبه في الإفراج عن “الإرهابيين” فيقع صريعاً لنيران المنظمة التي اختطفته، فتستنكر الحكومة ذلك ويشجب البابا فقط دون حراك لإنقاذه.. لكن في هذه المرة يُخْطَفُ آجيلي رجل الاقتصاد الأول في إيطاليا، وتأتي الصدفة ليقوم أنطونيو بإنقاذ رب عمله الرأسمالي آجيلي من حريق سيارته المستهدفة دون أن يعرف أنه هو ولي نعمته الذي يتمنى موته حقيقةً، فتختلط الأمور لتظن زوجة أنطونيو روزا أن الجسد المصاب المشوه تماماً هو زوجها. فتنقلب الحكاية ليظن الجميع أن آجيلي هو نفسه أنطونيو خصوصاً بعد أن أُجرِيَت له عملية تجميل ليطابق بشكله أنطونيو.

ذلك يحدث ضمن عدة مفارقات هزلية لا تخلو من بعض الابتذال البسيط لتضع الشخوص في مواقف متفاوتة ضمن صراعٍ مع وبسبب القوة المالية آجيلي و سوءِ فهمٍ للحقيقة بين الشخصيات مما يثير لدى الجمهور لغطاً سرعان ما يجري استيعابه فهمه كونه محبوكاً ببراعة، ولما أُعجب آجيلي بحكاية اختطافه الوهمية يقوم بإرسال رسائل مناشِدة للحكومة.  تلك نفسها التي أرسلها إلدومورو وقتما أُهمِل ومات. لتلبي الحكومة مطلبه بحركة غير متوقعة وتفرج عن الإرهابيين كما طلب مهملةً تضحية قوات أمنها في ملاحقتهم والإمساك بهم مقابل إرضاء الرجل الاقتصادي؛ الذي هو لم يكن ببعيد عن الإرهاب. بل كان دائماً داعماً له مع أسماء كبيرة في الدولة. خلاصة العرض المكثف الأحداث هو أن رأس المال من يتحكم بالحكومة والشعب. وفي حال تعثّرت السلطة الاقتصادية فإنها ستقضي على الجميع فوراً لأن الكل لها خانع وخاضع ومتورط أيضاً .

في الواجهة يبدأ العرض مرهقاً وخفيفاً معاً، من حيث تمازج الأفكار في 60 دقيقة. إلا أن الإطار الرشيق لتقديمه في قالب كوميدي خفف من حدة الإيدولوجيات المطروحة، لكن الذي أغفل من قبل فريق الإعداد هو الاستنزاف في تقديم أفكار الصراع بين الطبقات الاجتماعية في زمن تخطت فيه المجتمعات الغربية والشرقية في آن واحد هذه الفترة من التاريخ منذ عقود.

التحرك السريع للشخصيات والجمل النصية المرافقة على خشبة المسرح رغم مبالغتها أحياناً لم تكن مزعجةً. بل أثارت ضحكةً هادفة غير مبتذلة كما جرت في عروض سابقة. لكنها وقعت في ذات الوقت بقالب الحشو لتكون الكوميدياً مخرجاً آمناً لتبسيط الفكرة المقدمة وتقديمها بأسلوب سلس غير حاد. وإذا ضحك الجمهور في عرض اختطاف دون تخطيط  فلأنه بحاجةٍ بشكل ملح لمن يضحكه بعد خلو ضحكاتنا من الهدف. وبذلك نالت لوريس قزق بحماسها و حِدّة الشخصية التي أدتها أكثر الإعجاب. أما لجين الذي لم يحصد الألق الكافي في أولى تجاربه التلفزيونية أحمر وزوال، إلا أنه كان أكثر إبداعاً وحريةً في هذا الاختطاف، كيف لا وهو يتقمص شخصيتين ليخرجَ من باب و يدخل من آخر متنقلاً بين آجيلي وأنطونيو بكل براعة و إقناع. وبذلك حقق رهان لجين في أنه مشروع نجم سوري قادم، رغم أن مساحة أدائه العالية غطت أحياناً على سياق العرض وحولت نظر الجمهور عن المحك الرئيسي للأحداث وبذلك تفوق الأداء على سياق العرض العام، وهذا ما يعاب على العرض عموماً لتفوق عنصر على حساب بقية العناصر.

فيما كانت لمسات نجاح وتوليب وخوشناف وأنطوان مكمّلةً بشكل ممتع للعرض فكانت جهودهم مثمِرة. ما قدم عرضاً لا إرهاق في تقبل شخوصه بل جمعيهم عدا خوشناف من مرحلة عمرية واحدة ما يجعله في إطار العرض الشاب اليافع، رغم تحميل الشخصيات في مكان ما من العرض حجم انفعالات وأفكار أكبر عمرياً من عمر الممثل الحقيقي. وهذا مرهق للتقبل على مدار العرض كاملاً طالما أن هناك شخصية عمرية أكبر في اختطاف متمثلة في الممثل خوشناف ظاظا.

و قد عمل معدا النص على اتباع الكناية في العرض غير الخالي من الرمزية، فكانت المشفى مليئة بعُدّة السيارات وكل قسم من الأعضاء البشرية يُكَنّى بخردوات سيارة علاوة على التمثال المركون في زاوية المسرح ويرمز لصاحب المستشفى السيد أجيللي.

أما الممثلون فغطت وجوههم طيلة العرض بأقنعة جلدية كنايةً عن قولبة البشر بقوالب محددة لا يخرجون منها، أو ربما كانت للدلالة على أن الجميع في زمن التشوه. وحتماً ما زاد من صعوبة الأداء للممثلين وأخفى جزء أساسي من مفاتيح الشخصية المسرحية وهي ملامح الوجه. وبذلك خرجت الشخصيات مطموسة الملامح تعتمد على حركات الأيدي والجسم. وهذا مرهق يدخل في نطاق الافتعال أحياناً. لكنه لم يوقف من حماسهم ومتابعتهم للأداء بشغف فأشعلوا لهيب التصفيق والضحك معاً.

تفاعلات شتى شهدها العرض حيث جاء العرضُ التلفزيوني على شاشةٍ عريضة كجزءٍ أساسيٍّ من قصة العمل مكمِّلاً للتأثير البصري على المتفرج خصوصاً عندما يصرخ فيها أنطونيو بعد تعذيبه بأنها “مؤامرة”. وكأنها تلك الكلمة السحرية المبرِّرة لكل شيء يحصل ضد مناديها، ومعها انتهى العرض خاتماً تساؤلات ورموز وشيفرات يفكها كل مشاهد بطريقته لنستطيع بعد متابعة ملية أن نقول إنها تجربة جيدة نسبياً، لا سيما بعد الضجة التي أحدثها العرض داخل دمشق فتهافت الكثيرون لرؤيته.

ستة مغامرين قادهم الفنان أيمن زيدان في سيارة تصدرت بوستر المسرحية وغابت عن ديكور مسرح استعصى ظهوره في قوام واحد، تجسيداً لعملية اختطاف مركبة تلاقت فيها الأسئلة حول سر تفاعل الجمهور الكبير، ومدى نضج العرض في مقاربة الواقع. وقبل ذلك الوقت اللازم لمسرحيي سورية للبناء على نص أكثر معاصرة والتوقف عن الإسقاطات المرهقة خلف نص قوي لكن ليس لهكذا زمن وهكذا مفاهيم متبدلة ساعياً.