نبيل ولمى وحاتم في الذاكرة.. على طول الأيام

بقلم: محمود المرعي

رحل حاتم علي! أيقَنّا أخيراً أنه لم يعد له وجود سوى في قلوبنا وذاكرتنا، فما من عمل جديد بتوقيعه في جميع المواسم القادمة، وليس لنا قدرةً على ردّ القدر والهروب من المكتوب، لكن بإمكاننا السخرية من الحياة بإعادة شريط العمر إلى عام 2005، الّذي شهدت أيامه أجمل قصّة حبّ ما بين “نبيل” “تيم حسن” و”لمى” “سلاف فواخرجي
 

على طول الأيام .. حيث يأخذ جميع النجوم أماكنهم المناسبة:

بدايةً فإن هذا العمل يضم كوكبةً من النجوم الكبار أمثال الراحل خالد تاجا،، سمر سامي، أيمن زيدان، حسن عويتي، عزّة البحرة، ومجموعة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحيّة الجدد آنذاك مثل نادين سلامة، نسرين طافش، ريم زينو، يحيى بيازي، علاء الزعبي وغيرهم ممّن أتاح لهم حاتم علي الفرصة لتقديم أنفسهم، فمنهم من تحوّل إلى نجوم صف أوّل، ومنهم من اختار الابتعاد، ومنهم مايزال يبحث حتّى الآن عن الفرصة الحقيقيّة الّتي ستنصفه، هذا عدا عن عبد المنعم عمايري، جلال شموط والوجوه الاستثنائيّة الّتي ارتبط ظهورها بحاتم علي إلى حدّ كبير مثل الراحلة نجوى علوان، رنا جمّول، والشّاب آمن العرند، فأخذ كل ممثل مكانه المناسب في العمل والشّخصيّة الّتي تليق به.

على طول الأيام وجرأة الطّرح:

تطرّق العمل إلى كبار التّجار، بمعنى آخر “حيتان المال” الّذين يعاملون المال على أنه إكسير الاستمرارية في الحياة كأنهم ليسوا بزائلين، فمن خلال “عدنان بيك اللّحام”، الذي جسد دوره الراحل الكبير خالد تاجا، قدّم كاتب العمل فادي قوشقجي نموذجاً قريباً من الحقيقة عن كيفية تعامل أحد حيتان المال مع ثروته الّذي ضحّى لأجلها بأخيه، وابنه الكبير، وجميع مبادئه.

وبذلك ضمن بأمواله وقوف أصحاب المصالح إلى جانبه لكسب حمايتهم، ما جلعه قادراً على تكذيب كلّ الأقلام الصحفيّة الّتي كتبت وحقّقت بقضايا الفساد الّتي تورّط بها، من تجارة المخدّرات وتصنيع مواد غذائيّة فاسدة، حتّى وصل به الأمر لشراء الأقلام ذاتها، فابتعدت الأقلام الرخيصة عن ذمّه وأصبحت تمجّده.

وبقيت الأقلام الصادقة محتارة في أمرها كالصّحفي “مروان” الذي لعب دوره الفنّان “وائل رمضان”، والذي يخرج عن صمته ويقرّر الدّفاع عن مصالح المواطنين الّذين تمت سرقة أموالهم ومُصّت دمائهم على حدّ تعبيره.
 

نبيل ولمى  .. قصة حب دافئة دون تكلّف :

بصوت تيم حسن وسلاف فواخرجي وبسردٍ مميّزٍ روى كلّ منهما قصة الحب التي جمعت نبيل ولمى، بدفءٍ خاص وبساطة تحمل القلب على راحتيهما، فمشيا معاً بين الحارات الدّمشقيّة لتزداد جمالاً بطريقة تجعل المشاهد وكأنه يشمّ رائحة تلك الأزقّة من الشّاشة.

التفاصيل المدروسة الّتي كتبها فادي قوشقجي، ونظّمها حاتم علي، جعلتنا نشعر وكأننا جزء لا يتجزأ من العمل، خصيصاً حين يرى المشاهد الشّام بأسلوب مختلف، فتاة جميلة، مُقبلة على الحياة، تعانق كل من تصادف في طريقها.

وحتّى في الوقت الحالي يقدّم لنا هذا العمل خدمة إذا ما قمنا بمشاهدته، حيث يمكننا استذكار الوجه البهي للعشق في دمشق، ويتيح الفرصة للأجيال الجديدة ليستشعروا الحبّ في السابق، يشاهدون نبيل ولمى، الحبّ بينهما، النقمة على البعد، لؤم نبيل المملوء بشوقه، واستسلام لمى و مكابرتها في آن معاً.

هذا كلّه دون اللجوء إلى الاستعراض المبالغ فيه للثياب أو مواقع التصوير الفخمة والسّيّارات الفارهة، والعرس الأسطوري، ففي رحلة إلى البحر يتدبّر نبيل أمره ويقوم بشراء خاتمٍ ليقدّمه للمى، خطبها ثمّ تخاصما، تزوّج غيرها ولكنه عاد إلى الحب الحقيقي الّذي كشف في نهاية المطاف أن كلمة واحدة ما بين الأحبّة قادرة على حلّ أكبر خلاف يمكن أن يقع بينهما، فالتمّ شمل نبيل ولمى من جديد.

فادي قوشقجي ونظرة أعمق لمشاعر الرجل:

غالبا ما تركّز الأعمال الدراميّة على ردود أفعال المرأة عندما تنتهي قصة حبّ بين أيّ ثنائي من الثنائيّات الرومانسيّة، فتُعرَض المرأة على أنها الكائن الّذي يبقى عالقاً في خيبته، تنظر إلى مرآتها كثيراً، تقصّ شعرها وتستنجد بصديقتها المقرّبة وتبكي!.

وبالمقابل يتمّ تقديم الرجل على أنّه الكائن الّذي يتجاوز الأزمة بأقلّ من يومين، يذهب إلى عمله ويمارس حياته بشكل طبيعي وكأن شيئاً لم يكن.

لكن في “على طول الأيام”، كسر قوشقجي القاعدة، أو بالمعنى الأصح لم يكسرها تماماً، بالتأكيد هناك الكثير من النصوص الدراميّة الّتي تناولت خيبة الرجل من الحبّ، لكن الكاتب قام من خلال نبيل بإشباعها فاستعرض بكاء “نبيل”، انعزاله عن الآخرين، التّغيّب عن عمله لفترة طويلة، النظر إلى نفسه في المرآة، الانتظار أمام حاسوبه حتّى وصول رسالة إلكترونيّة من صديقه المقرّب “إبراهيم-خالد القيش” لتبعث فيه الأمل والقوّة.

وفي نهاية المطاف تغيير تسريحة شعره وعمله وكل ما ربطه مع “لمى” بعدما وافقت على قبول هدية عمّها المختلس “عدنان بيك” دون علم، فقدّم الكاتب نبيلاً مختلفاً في النصف الثاني من العمل وهذه نقطة قوّة كبيرة للنجم تيم حسن الّذي يمكن القول إنه قام بتجسيد شخصيّتين مختلفتين من خلال شخصيّة واحدة في عمل واحد.

أمّا نقطة القوّة الرئيسيّة فهي بإتاحة الفرصة للرجال بـ”تبييض” صفحاتهم أمام النساء إن صحّ التعبير، وقراءة الحالة الصحيّة عندما يواجه الرجل الفشل في الحب دون تدخّل من القيود المجتمعيّة التي تصرخ في وجهه قائلة “شبك أنت رجال؟” ليقرر تجاوز الأمر في يومين وهذا ليس تجاوزاً في الحقيقة، إنما تأجيل لانفجار بركان يغلي!
 

تفاصيل تأخذنا إلى رحلة دمشقيّة في زمن السّلم:

عوّد حاتم علي جمهوره دوماً على التقاط التفاصيل الّذي لا يمكن لغيره التقاطها بالإبداع ذاته، فعند بداية نهار جديد يعرض حاتم اقتصاص ورقة من الروزنامة مع اليوم والتاريخ وبذلك يجعل المتلقين ضمن الزمان الّذي تعيش فيه شخصيات العمل.

بالإضافة إلى تقسيم الشاشة أثناء المكالمات الهاتفية مثلاً أو حتى في بعض المشاهد العادية ليرينا ردود أفعال جميع الشخصيات في الحوار وفي أحيان أخرى يرفقها بالخط الذي يشير إلى ضربات قلوبهم ومن ثم يجول بكاميراه في شوارع دمشق، فيأخذ لقطات عديدة للرجال والنساء، الصغار والكبار، البائع والمشتري، وحتى قطط الشّوارع، فيدخِلنا في الحيّز المكاني للشخصيات أيضاً، وكأنه كان يشعر بأن هذه المدينة ستتعب يوماً ما، فأراد لنا توثيق وجوه أهلها في ذلك الحين، الوجوه الّذي كان أكبر همومها هو أصغرها اليوم.

لقطاتٌ تجعلنا نسأل، علامَ كان التعب يساورنا في ذلك الحين؟ ليأتي سؤال “ناجي – مكسيم خليل” لمحبوبته “زينة – سوسن أرشيد “هل يمكنك أن تتخيّلي الابتعاد عن الشّام؟”، ليقرر ناجي في نهاية العمل السفر إلى كندا لأن الشّام كالأم القاسية على أولادها! كما قال لصديقه داني – شادي مقرش الّذي يسأله: هل ستجد في كندا الأم الحنون؟ فيجيبه: “لا.. لأنها زوجة الأب الّتي يمكننا قبولها مهما بدر منها من قسوة”، ولسخرية القدر فإن مكسيم وسوسن وشادي خارج الشّام اليوم.

يرنّ صوت سلاف فواخرجي في الآذان عندما تحاول “لمى” أن تغري “نبيل” للاستيقاظ من غيبوبته بعد أن أُصيب بطلق ناري لتقول له :
“الحياة خارج هذا المكان  ما زالت جميلة  رغم كلّ شيء، فالشّام مازالت هي الشّام، عُد إليّ نبيل، فأنا نذرتُ نفسي لك، لك وحدك، على طول الأيام”

فماذا لو استيقظ نبيل بعد عام 2011 ليجد أن الحياة لم تعد جميلة فيظنّ أنّ لمى كذبت عليه مجدّداً؟ وماذا لو أنه لم يستيقظ حتّى الآن؟ وهل إن استيقظ حينما طلبت منه لمى ذلك سيتمنى لو أنه لم يسمع كلامها أو يستجيب؟
 

مهما كان المصير الّذي اختاره فادي قوشقجي لهما .. فنبيل ولمى وحاتم في ذاكرتنا على طول الأيام.