شاهد قبل الحذف

بقلم: حسين روماني

عقود من الزمن كانت فيها الدراما السورية الابن البار لعائلته، دخلت بسيطة جميلة ببياضها وسوادها ثمّ تلوّنت بألوان الحكاية والصورة والأداء. همها الأوحد أن تكون فرداً من تلك الأسرة السورية بمكوناتها وأطيافها المختلفة، لتنتقل النظرة إلى نطاق أوسع نحو المجتمع العربي ككل ولكن بخطوات كانت في العديد من الأعمال مدروسة بعناية فائقة، وكالكثير من العائلات، تمكنت الحرب من الدراما المحلية. بقي بعض منها في الديار، وآخر هاجر متنقلاً بين العديد من البلدان والشاشات العربية وحتى الأجنبية، لنجدها قد وصلت إلى سجن المنصات المدفوعة، بينها وبين جمهورها السوري ألف جدار.

حصري

ليس العرض الحصري للمسلسلات السورية على القنوات «المشفرة» بالأمر الجديد، لكن الآلية كانت مختلفة بين مرحلتين، فقبل الحرب كان الإنتاج السوري الخالص يفرض هيبته على تلك القنوات، وهناك تجارب عديدة في ذلك المضمار، منها على سبيل المثال لا الحصر: «الحصرم الشامي» و«أولاد القيمرية» اللذين أخرجهما سيف الدين سبيعي، «زمن الخوف» و «أصوات خافتة» و «أبو خليل القباني» من إخراج إيناس حقي.

وقد توجهت شبكة «أوربت» إلى إنتاج العديد من الأعمال التي حملت توقيع السوريين بكافة التفاصيل لعرضها على قنواتها التي توجّهت إلى المشاهد العربي، كذلك كان العرض الحصري لمسلسل « أهل الغرام2» على قناة MBC دراما+ يليه عرض جماهيري على MBC دراما المتاحة، حركة لم تمنع الجمهور الذي كان متابعاً للجزء الأول من العمل من مشاهدة الجزء الثاني.

أما بعد الحرب فقد كانت أزمة السوق العربية خانقة، تجلّت بشبه اختفاء الأعمال السورية عن الشاشات المفتوحة والخاصة كسابق عهدها، قنوات التسويق لم تكن مغلقة تماماً فقد حصلت قنوات مشفرة على حقوق عرض العمل السوري كـ «وردة وشامية» و «بورتريه» اللذين قادهما العرض الأول إلى شاشة Bein دراما. 

مشترك

المشهد الفني السوري بات مختلفاً، اختلفت معه أحوال الإنتاج والتوزيع، سيما وأن القواعد مرت بالعديد من التبدلات، فبين الأزمة والحصار وبين متغيرات الساحة الفنية العربية التي أثّرت بشكل كبير، لكن ذلك لم يمنع شركات الانتاج من متابعة العمل ولكن بعدة وجهات نظر.

فبالإضافة إلى استمرار العديد من الشركات المحلية كـ «قبنض» بالإنتاج، ظهرت عدة تجارب في الإنتاج المشترك كمحاولة التفاف على الظروف الصعبة لوصول المنتج السوري مجدداً إلى الشاشات العربية، فتوجه بعضها للشراكة بالإنتاج والتوزيع كما حصل في «باب الحارة» حتى جزءه التاسع بتنفيذ من قبل شركة «ميسلون» لصالح مجموعة MBC السعودية و مسلسل «حرائر» الذي كان من إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني بالشراكة مع “كلاكيت للإعلام والإنتاج والتوزيع الفني» والذي عرض على شاشة «أبو ظبي»، ومسلسل “دقيقة صمت» الذي أنتجته شركتا “إيبلا الدولية» و «صبّاح ميديا» اللبنانية، كما كان لشركة «I See Media» التي أنتجت على الأراضي السورية عدة أعمال تصنّف كـ دراما محلية أشهرها «عندما تشيخ الذئاب».

بان آراب

توجه العديد من الكتّاب والفنانين والمخرجين وحتى والفنيين لخارج سوريا خاصة إلى لبنان والإمارات، ما أسهم بكبر مساحة للدراما المشتركة، وزاد أيضاً من تجاربهم مع شركاء المهنة من جنسيات أخرى، خاضوا في العشاريات والسباعيات ومسلسلات الأجزاء والعروض الحصرية على القنوات المختلفة.

وتحديداً في لبنان دخل الممثل السوري كشريك لممثلة لبنانية يقاسمها البطولة، الخلطة السحرية التي لاتخفى على أحد، مجسّدين أدوار البطولة الذكورية إلى جانب الممثلات اللبنانيات، بقصة يكتبها في كثير من الأحيان كاتب سوري، ينفذها فنيون سورين، ويخرجها مخرج سوري لكنها خاضعة لقالب يحدده رأس المال المنتج، كي تكون الخلطة ساحرة لسوق التوزيع في المحطات اللبنانية والعربية.

وبذلك يبتعد الممثل عن جمهوره السوري وبيئته المحلية التي انطلق منها، بنص معقد يمكن أن تكون المبررات فيه صعبة المنطق، وبعيدة عن الأجوبة الواضحة، ما يفقد متعته في التمثيل كما قال النجم عابد فهد بإحدى لقاءاته القريبة، وبرأيه أن الغوص في بيئة معينة وتماسك النص يجعل العمل في المسلسلات السورية المحلية أمتع.

لذا عندما يقدم أي مشروع محلي في سوريا تكون هي الأرض الطبيعية والحقيقية للمشروع وتكوّن ذاتنا، منوهاً في كلامه إلى أنه لا يتهم نصوص وسيناريوهات الأعمال المشتركة، ومؤكداً للقاصي والداني أن الممثل السوري عندما يكون موجوداً في بيروت للتصوير فإنما يكون ضمن فريق لعمل «مشترك» ولا ينطوي تحت الدراما المحلية اللبنانية.

دراما محلية خارج الحدود

يحسب للراحل حاتم علي تجربة نقل الدراما المحلية إلى مكان قريب منها في «قلم حمرة» و «العراب»، نص محلي وممثلين سوريين، تطلب تنفيذه على أرض عربية الاهتمام بأدق التفاصيل في الصورة، من الشارع الشبيه إلى العشوائيات المتقاربة إلى سيارة الأجرة «السابا» الصفراء، إلى الطبيعة التوءم، ومسح كل الملامح التي تكشف حقيقة المكان البيروتي أمام العدسة.

كذلك لدينا تجربة كان أبطالها رافي وهبي، ينال منصور، وعبير حريري في مسلسل «بدون قيد »الذي كان عبارة عن ثلاث حكايا متداخلة فيما بينها، يمكنك البدء بأي قضية منها لأنها ستوصلك إلى نهاية واحدة، كل قضية لها عدد من الحلقات لاتتجاوز الحلقة عدداً من الدقائق، تم إطلاقها دفعة واحدة على منصة «يوتيوب» عام 2017.

غير متوفر

«إننا ذاهبون إلى عصر المنصات»، جملة قالها النجم باسم ياخور خلال لقاء له، ولكن أي منصات هذه؟.

حصرية العرض المرهونة بمنصة إلكترونية كـ «شاهد» ربما ليست متوفرة في سوريا تلغي نسبة كبيرة من الجمهور، وحتى العروض الحصرية على قنوات محددة لهو أمر ربما يبدو صعباً بحكم الظرف اللوجستي والخدمي في  بلد لازال يعاني من تبعات الحرب.

لذلك لجأ السوريون إلى منصاتهم المجانية من مواقع وقنوات «تلغرام» وصفحات «فيسبوك» جعلتهم يتابعون أغلب الأعمال الجديدة، يبحثون هنا وهناك عن رابط إلكتروني لمشاهدة الحلقة تلو الأخرى مجاناً، ليحاولوا أن يبقوا على تواصل مع الممثل السوري أينما حلّ قدر الإمكان، سواءً في دراما محلية تشبهنا أم في أعمال مشتركة، لكن ذلك يحرمهم متعة المشاهدة بالدقة العالية، بصورة وصوت لايشبعون عين وأذن المشاهد بسبب سوء جودة الإنترنت في سوريا لتأتي الحكاية ناقصة.

ويختلف الأمر في «يوتيوب» فأثناء بحثك ربما تجد مسلسلاً لازال حبيس القنوات المشفرة لكنه متاح بدقة متواضعة، بالمقابل نرى العديد من شركات الإنتاج المحلية والعربية المعنية بالعمل السوري تقتني قنوات على منصة الفيديو الأشهر، حتى أننا نجد تنافساً بينهم على حقوق بث الأعمال القديمة، ومعظم الأعمال السورية الجديدة التي تدخل السباق الرمضاني أو يتم إنجازها لخارجه، مشتركة كانت أم محلية، لا تجد طريقها للمنصة المتاحة للجميع إلا بعد زمن طويل يفقد قيمة المنجز طعمه الطازج، وهنا أيضاً الصورة ليست كاملة.

لابد لنا من أن نكون على مسافة واحدة من الجمهور السوري أينما كان، بصورة وطرق عرض جيدة يستحقها في عصر السرعة، لأنه السر في نجاح كل الذين أصبحوا اليوم نجوماً مطلوبين بالاسم على أعمال عربية وعالمية حتى، وليس الأمر متعلقاً بممثل فقط أو كاتب ومخرج، إنما بالعملية الدرامية كاملة، تلك الدراما التي انطلقت من الحارة والمنزل والشارع السوري بكل مافيه، ولا نجومية سورية أينما حلّت دون جمهور سوري.