دانتيل.. وتواتر في حياكة الحكاية!

بقلم: محمود المرعي

يتنوع سوق “البان عرب” الأكثر رواجاً هذه الأيام، في خلطات متنوعة ونكهات مختلفة، ففي كل مرّة تختلف التشكيلة وهذه المرة كان النص “مصرياً” مقتبساً عن عمل درامي إسباني وببطولة سورية لبنانية لإنتاج لبناني، أما الإخراج فكان من نصيب المخرج السوري “المثنى الصبح” الّذي يدخل غمار هذا النوع من الأعمال للمرة الأولى.

دانتيل والنص

إذا ما شبّهنا النّص بروحه نجد أنّه فستان خاطته سيّدتان ذوات ذوق رفيع وهما كل من “آنجي القاسم” الّتي رسمت التصميم و “سماء عبد الخالق” الّتي قامت بحياكته ضمن سياق درامي تجاري لطيف ومُحبّب إلى الشّريحة الأكبر من المشاهدين الّذين لا يودّون إتعاب أنفسهم بتحليل الرموز، فهذا العمل واضح ومباشر لا يحمل أي نوع من الرسائل الخفيّة..

لكن .. حتى وإن كانتا صاحبتي ذوق عالٍ فلا ينفي ذلك أنهما وقعتا بفخ التكرار في الحوارات والإطالة الّتي لا مبرّر لها وتحديداً بعد انقضاء العُشر الثاني منه، لنجده مجرّداً نوعاً ما من الحالة الدراميّة الّتي كانت في العُشرَين الأولَين، حيث تحوّل إلى عمل يتلخّص بمطاردة “يوسف” الذي قام بدوره النجم “محمود نصر” لـ “ميرنا” التي قامت بدورها النجمة “سيرين عبد النور”، ومجموعة من الحوارات المتكرّرة والمتواترة أيضاً، فتارةً حوار عميق وتارة أخرى حوار ركيك وكأنه من مسلسل مختلف.

لكن مع كل هذا من الواضح أن القماشة فاخرة فهناك ظروف إنتاجيّة جيّدة تتبلور من خلال طريقة العرض، فهل هذا التواتر في الحياكة يرجع إلى مصممة الفستان “آنجي القاسم” أم إلى من قامت بتنفيذه “سماء عبد الخالق” ! أم إلى فيروس كوفيد19؟

دانتيل والعلاقات الاجتماعيّة

تنقسم العلاقات في هذا العمل بين طبقتين مختلفتين حاله كحال ما يشبهه من الأعمال، صراع الخير مع الشر، الفقراء مع أصحاب رؤوس الأموال، الأرقام والأرصدة مع الكلمات والحروف وما يُقال وما يجب أن يُقال! وأصوات قرع كؤوس مبالغ فيه على الطاولات مع شرح موسّع نسبيّاً لأنواع المشروبات الروحيّة طيلة حلقات العمل.

ولعلّ أفضل ما هو مطروح ضمن القوالب الاجتماعية الموجودة فيه هو علاقة الصداقة الّتي تجمع الفتيات الأربع “ميرنا” “رولا” “عليا” “نادين” والّتي أكسبت العمل دفئاً خاصاً أتقن “المثنى الصبح” إيصاله كما أتقن عكسه بشكل أكبر منه بكثير منذ تسع سنوات من خلال علاقة “هالة” “عايدة” “رويدا” “سلمى” في مسلسل “جلسات نسائيّة” الّتي قامت “أمل حنّا” بكتابته، فعند خيبة ميرنا ولجوئها إلى رولا، يحضرنا لجوء هالة إلى رويدا، وسلمى إلى هالة، وعايدة إليهنّ جميعاً.

دانتيل ومحمود نصر / رئيس مجلس الإدارة

مضطرون عند الحديث عن يوسف أن نقوم بتحويل الفستان إلى منشأة أزياء كبيرة فيمكننا القول إنه رئيس مجلس الإدارة في الحكاية فكل الأحداث مرهونة بما يفعله وما يقوم بتنفيذه وبالقرارات الّتي يقوم بأخذها ابتداءً من قرار عودته من السفر ومروراً بمواجهته مع والده الّذي انتحر، زواجه من ابنة عمه ميرا لينقذ العائلة من الإفلاس وحلم الأب.

أحداث كثيرة مرتبطة بقرارات “يوسف التّلي” الّذي جعل من محمود نصر بطلاً رئيسياً للعمل دون إضافات فنيّة كبيرة لرصيده من الشّخصيّات المركّبة الّتي كان آخرها السلطان “سليم الأول” في مسلسل “ممالك النار” .

من الواضح أن نصر يتقن معادلة التوفيق بين الأعمال الّتي تُعرض عليه، فهو من النجوم القلائل الّذين لم ينغمسوا بالأعمال التجارية بشكل كامل، فبعد مشاركته في مسلسل “الإخوة” عام 2015 من خلال “مجد” نجده مدّ الجمهور بشخصيّة “دسمة” وهي “عروة” في “الندم” 2016 ليلحقها بشخصية مختلفة تماماً عن مجد وعروة وهي “ديب” القبضاي الدمشقي في مسلسل “قناديل العشاق” 2017 ليعود مرّة أخرى عبر السوشال ميديا هذه المرّة عبر شخصية “مهند” في مسلسل “داوت” 2018 متخلّلاً هذه الفترة عرضاً مسرحياً قام من خلاله بلقاء الجمهور وجهاً لوجه وكأنه حريص على صيانة أدواته كممثّل من فترة إلى أخرى دون تجميدها وبرمجتها على نوع واحد من الأعمال.

دانتيل وسيرين عبد النور/ مديرة مكتب رئيس مجلس الإدارة:

ميرنا،الفتاة الجميلة البسيطة والرقيقة الّتي تستمد قرارتها من يوسف، حضوره يجعلها تأخذ قراراً، وغيابه يجعلها تأخذ قراراً مختلفاً تمامًا للأول فنجدها مكبّلة به إلى أن ترفض عرضه في الزواج سرّاً، ذلك الحدث الّذي جعلنا نصدّق قليلاً أنها تمتلك شخصيّة مستقلّة تصنع القرارات بمفردها دون دعم أو إمداد من يوسف.

من خلال الخيّاطة البسيطة نجد أن سيرين عبد النور من النجمات اللبنانيات القلائل اللواتي يختلف أداءهنّ من شخصيّة إلى أخرى إذ أن “الديفا” لا تشبه “ميرنا” إطلاقاً و”أيف” في قناديل العشاق تختلف كليّاً عن “ميرا” في 24 قيراط على خلاف بعض النجمات اللواتي قدّمن الشخصيات الفقيرة كالغنية والمتعلّمة المثقّفة كالتقليديّة والمحاميّة كالطّبيبة، فاستطاعت مديرة المكتب تقديم استقالتها وأخذت منحى خاصاً بها في النصف الثاني من العمل.

دانتيل.. تاتانيا مرعب/ سارة أبي كنعان / زينة مكّي

تمثل كل من تاتانيا “رولا” وسارة “عليا” الطبقة العاملة الّتي تتنافس عليها المنشآت التجارية عندما تتمكّن من أدواتها، فحال رولا مع زوجها المريض وطبيبه فؤاد، كحال عليا مع المهندس خالد وزميلها سعد، وحالة التنافس عليهنّ تذكر بحالة التنافس بين دانتيل و”ميرنا” التي تصبح لاحقا علامة تجاريّة خاصّة .

في قصة رولا نجد أن الحكاية غير ناضجة البتّة إذ يتحول الطبيب الاستغلالي وبشكل مفاجئ إلى حبيب وقريب دون مبرّرات دراميّة, أما عن نقطة القوة في حكايتها فهو أداء تاتانيا البسيط وملامحها الناعمة.

على العكس من قصة عليا التي نجد فيها حكاية ناضجة ومُشبعة أكسبها أداء سارة المتميّز ولهجتها التي تمزج بين اللّبناني والسوري خصوصيّة لطيفة .

في حديثنا عن “نادين – زينة مكي” نجد أن عملها في قسم العلاقات العامّة مناسب جدّاً، فنادين هي صلة الوصل بين الطابق العلوي “الإداريّون” والطابق السّفلي” الفنيّون” بين عالم “يوسف التّلي” وحياته الاجتماعيّة، وعالم “ميرنا” وظروفها الاجتماعيّة والعاطفيّة والنفسيّة، غير أنّها استطاعت وبأسلوبها الخاص أن تجعل جاد “ابن المدينة” يذهب إلى “الضيعة” ويطلب يدها للزواج وهو المتمنع عن الارتباط وذلك كله بحالة من التباينات النفسيّة الّتي أوصلها كل من زينة ووسام فارس بدقة.

سلّوم حدّاد، سميرة البارودي، نهلة داوود: رأس المال

بمنعزل عمّا أضافه أو لم يضِفه هذا العمل للنجم القدير “سلوم حدّاد” والقديرة “سميرة البارودي” والقديرة “نهلة داوود”، فعلى أية حال لا يمكننا أن نعتبرهم إلا إضافة لأي عمل يشاركون به حتى وإن تآكلت صورهم الفنيّة التي رسمناها لهم في ذاكرتنا منذ عقود .

لا نجد أن شخصية “سامي التّلّي” مستفزّة وغنيّة تناسب حجم إمكانيات سلّوم حداد إلا أن وجوده في العمل أعطت ثقلاً خاصاً تحديداً لأنه الشخصية المتلوّنة التي تجعلنا نوعا ما ننتظر ماذا ستقترف يداها.
شخصيّة أم يوسف أضافت للعمل هدوءاً لربّما قد ظهر في الوقت المناسب لإعادة هيكلة العلاقات بين أبطال العمل وهيكلة القصص والخطوط الدراميّة في ذهن المشاهد.

غير أنه وللمرة الثانية بعد مسلسل “كوما” تظهر سميرة البارودي بلسان سوري، فإن كانت شركة الإنتاج والقصة بأكملها سوريّة في كوما ففي دانتيل جميع المعطيات مختلفة ولم نكن لنستغرب لو وجدناها تتكلم باللهجة اللبنانية إلا أن اجتماع قامة لبنانيّة باللهجة السّوريّة أكسب الشخصيّة أُنساً مختلفاً.

عن نهلة داوود يمكننا القول إن أهمية “حياة” هي في الرسالة الّتي أوصلتها والّتي تقول إنّ الأنثى ومهما بلغت من العمر والقوّة بحاجة إلى من يشعرها بأنها محبوبة وتستحق الاهتمام، غير أن هناك فارقاً كبيراً بين مديرة المشغل الّتي تشارك في المتاجرة بالفتيات في مسلسل “اتّهام” وحياة المسؤولة عن العاملات والّتي ترعاهنّ قدر الإمكان في “دانتيل”

دانتيل والمثنّى

إنّ صانع “ليس سراباً”، “على حافة الهاوية”، “جلسات نسائيّة”، “في ظروف غامضة” لم يعجز أن يضع بصمته في دانتيل ولو بشكل بسيط، فالعمل لم يكن ليظهر بأقل الخسائر وبهذه النتيجة المُرضية نسبيّاً لو كان من إخراج مخرج آخر غيره، على أمل أن يأتي اليوم الّذي نشهد فيه دراما مشتركة ناضجة بالكامل.

دانتيل ربح أم خسارة؟

فستان كان أم منشأة أزياء كبيرة، هل عاد هذا العمل على صنّاعه بالعوائد الماديّة المناسبة؟ هل أحسن الكادر الفنّي استثمار القماشة بالشّكل الأمثل؟

هل استطاع النجوم ربح شخصيّات مؤثرة عرّفتهم على قدرات جديدة يضيفونها إلى رصيدهم الفنّي أم أن الربح اقتصر على العائد المادّي فقط؟

قال يوسف في المشهد الأخير من العمل إنه لن يربح نفسه مطلقاً لطالما خسر ميرنا، فهل يمكن لهذا النوع من الأعمال أن يربح نفسه والجمهور يوماً ما حتّى وإن حصد الملايين من المشاهدات؟