المنصة.. مغامرة سورية لصناعة تشويق على حافة الغموض!!

بقلم: سالي حجازي

على شريط البحث في نتفليكس قم بكتابة هذا العنوان “the platform”، ستتصدر القائمة فيلم اسباني ومسلسل عربي بإنتاج إماراتي وبطولة سورية، لا قاسم مشترك بين العملين سوى التسمية، فهل يمكن للمسلسل أن يحقق شهرة الفيلم “عربياً على الأقل”؟

وحيث تطغى المفاجأة والتشويق لتلامس درجات الإثارة دون أن تصعدها، نبحث أين كانت مكامن القوة في المسلسل؟ وماهي مواطن الضعف من وجهة نظر مشاهد عادي دون تحكيم نقدي!

القصة:

تبدأ قصة المسلسل عام 1988 ومع المشهد الأول تسمع حديثاً جميلاً تنافيه الصورة المعروضة، ومن ثم إحباط لمخطط إرهابي كاد يودي بحياة أطفال في طريقهم للمدرسة، لتنتقل الحكاية لعام 2012 وجريمة لن تكشف كامل ملامحها مع نهاية الموسم الأول، لتستقر الحلقات فيما بعد عند الوقت الحالي حيث تتشابك خيوط الحاضر بالماضي، وتتقاطع ظروف عائلية خاصة مع حبكات سياسية لتنظيمات مافيوية كبيرة!

تشويق وإثارة:

لعل التشويق كان في أعلى درجاته في البرومو الترويجي للمسلسل، وفي المشاهد النهائية لكل حلقة، فالمسلسل لم يعتمد على حوارات غنية ولا حتى بالمعلومات المقدمة للمشاهد، والكثير من المَشاهد التي لن تعلم جدواها وعلاقتها بالأحداث على الأقل خلال الموسم الأول للعرض، لربما كانت هذه رؤية المؤلف الذي أراد أن يقدم دراما جديدة على المشاهد العربي، مألوفة له فقط في المسلسلات الأميركية التي يمكن فك ألغازها مع تتالي المواسم، فالحكاية لن تنتهي وإنما ستبدأ من جديد في نهاية الحلقة 12, وفي انتظار التبريرات المنطقية لعديد من الأمور وأهمها السر الذي تكشفه “سارة” في الحلقة الأخيرة والذي لربما لن يقنع الكثيرين بدواعي إخفائه، حيث يُكشف بمقطع فيديو لا يثبت شيئاً على الأقل ما سنشاهده نحن خلف الشاشات!

أمور لن يلحظها إلا المتابع السوري:

لاريب أن العمل مبهر على صعيد الصورة، لكن في الحكاية السورية تفتقد حميمية المنازل والشوارع، العمل تم تصويه في أبو ظبي، ويتنقل في حكايته بين أبو ظبي وأميركا وسوريا، اللقطات المأخوذة في الأماكن المدمرة تشبه لحد كبير خراب هذه البلاد، لكن البيوت السورية الدمشقية والشوارع فقدت حميمية منازل السوريين، ستعلم أن هذا البيت ليس سورياً ولا المحال ولا اللافتات المكتوبة ولا البناء ولا حتى المشفى، إنها تحتاج المزيد من العفوية والكثير من التأني، لربما اقنعت هذه البيوت غير السوريين بحقيقيتها، وفي العموم فهذه الأماكن لن تؤثر على الحكاية، لكن لن تعيدك إلى المكان كما استطاعت ذلك أعمال أخرى تم تصويرها خارج سوريا في أماكن تشبهها!

بين المشروع الإعلامي والعمل الاستخباراتي!

المنصة هي الموقع الالكتروني الذي يكشف الكثير من الأسرار في العالم من الطبخ وحتى كواليس سياسية لأحداث عالمية، بناء على معلومات يتم تقديمها لها، وخوارزمية عبقرية عمل عليها المبرمج العبقري “كرم” تستطيع فلترة المعلومات، ليرد مجموعة من المعلومات التي تفيد بحصول صفقات أسلحة في البحر الأسود وتقاطع هذه المعلومات مع حادث اختفاء “آدم” شقيق “كرم” والذي مايزال موجوداً في سوريا، التركيز في المسلسل دوماً كان حول هذه القضية والمعلومات الواردة بشأنها، وخمس أشخاص فقط هم المعنيين بالتحقق من المعلومات والواردة وربط المعطيات ببعضها، أمر غير منطقي بالنسبة لمنصة أو موقع الكتروني كبير مهتم بمختلف مجالات الحياة، الجميع يستطيع تقديم معلوماته ولو بأسماء وهمية، فيضيع الأمر بالنسبة للمشاهد فهل مايقوم به مسؤولي المنصة مجرد تقديم معلومات تندرج تحت العمل الإعلامي أم هو عمل استخباراتي يشبه ماتقوم به وكالات الاستخبارات العالمية.

لا شك أن التقنية أصبحت تدخل في كل شيء فكل المشاريع تعتمد على البرمجة، وليس انتقاداً للعمل فبالنهاية هو عمل درامي ممتع للبعض ويحمل رسائل مهمة للبعض الآخر، لكن لا بأس بتبرير منطقي فحتى المشاريع الإعلامية الكبرى تحتاج لمختصين ولن يكفيها مبرمجين مهما كانوا على درجة عالية من العبقرية!، ولعل الكثير من الأمور قابلة للتوضيح مع تتالي المواسم من العمل.

الغموض

هنا تكمن الحكاية ومتعتها، فهواة الدراما الرومانسية أو الاجتماعية قد لا تستهويهم المنصة رغم كل التشويق وحتى قرب الحكاية من واقع نعيشه يومياً واقع المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وخطورة هذه الأجهزة بين يدينا التي انتهكت كل خصوصية، لكن لغموض الحكاية قوة لا سيما في حلقة المنصة الأخيرة حيث ستقلب الموازين رأساً على عقب، وستكون دافعاً لانتظار موسم قادم لمتابعة مصير مجهول للأبطال الرئيسيين، ولفهم ما كان غامضاً ولم نجد تفسيراً منطقياً له.

كقصة الاعتداء على “آدم” الطفل واستمر في التعامل مع المعتدى عليه بكل أريحية معه عندما أصبح شاباً، و”سارة” العاشقة الكاذبة التي تخفي سراً لا مبرر منطقي لإخفائه، لاسيما بعد أعوام من جريمة القتل وبعد عدة لقاءات لها مع “كرم”، إضافة لقبول “كرم”  ذهابها معه لمقابلة “ناجي” ومواجهته رغم معرفته بخطورة الرحلة وعدم الفائدة من مواجهة إرهابي بمعلومة غير ذات أهمية ولا تعلم سارة نفسها تفاصيلها!

 وبانتظار الكشف عن هذا الغموض في المواسم التالية للعمل نرجو أن تكون مبررات تساؤلاتنا مقنعة ومرتبطة بما شاهدناه لا مبنية على أحداث جديدة تجعل جميع حلقات الموسم الأول غير ذات قيمة في الحكاية وتورث مصطلحاَ درامياً جديداً يبنى على “الغموض المجاني”

المسلسل استطاع التمهيد لموسم ثان بذكاء ودون شطط في الأحداث كما حصل في مسلسلات رمضانية، ورغم جميع المآخذ والملاحظات والتساؤلات التي يمكن ان تطرح حول سير الأحداث فلا يمكن إنكار المتعة التي يقدمها العمل، والأداء الجميل لاسيما لأبطاله من الممثلين السوريين.

ولنكن منصفين فالموسم الثاني يستحق الانتظار