مروان صواف الرجل الذي مات .. ثم بُعِثَ من جديد

بقلم شارل عبد العزيز

في نهاية التسعينات قدّم الكبير ياسر العظمة شخصية مُختلقة في سلسلة مرايا وهي الممثل المسرحي “كامل نجم” الذي قدّم للحركة المسرحية أعمالاً لا تُنسى، ثم هجره المسرح، فهجر الفن وعاش في بيتٍ صغير بعيد عن ضجة الناس ووهج الأضواء.

“كامل نجم” وإن كان شخصية مُختلقة إلا أنه يعبّر عن جيل كامل من نجوم وصنّاع الحركة الثقافية السوريّة وعلى رأسهم الإعلامي الكبير مروان صواف الذي بدأ العمل الصحافي والتلفزيوني منذ سبعينيات القرن الماضي وهو خريج أول دفعة صحافية من جامعة دمشق، وكان نجماً تلفزيونياً يضاهي نجوم السينما شهرةً ونجوميةً وكاريزما.

كان صوته مضبوطاً قبل أن يخترعوا الأوتوتيون، وكان ذهنه يخزّن النصوص قبل أن يخترعوا الأوتوكيو، وكان حديثه مُتناقل قبل أن يخترعوا المنصّات والشير، كان الأستاذ بحق وملك الارتجال على شاشتنا التي أُصيب بعده بالصمِّ بعد البكمِّ بعد سنتيمترات من الغبار المتلاحق الذي بات يتكدّس عاماً تلو الأخر.

وبعد الخيبات واللاتقدير قرر أن يبحث عن منبرٍ آخر، واستقر في الشارقة لسنوات، ثم عاش ككامل نجم بعيداً عن الأضواء في بيت صغير بكندا ما بيعرف طريقه حدا، واقتصر عمله الإعلامي على مقالٍ شهري يروي فيه خلاصة سنواته وعصارة روحه المتعبة كطائرٍ ابتعد عن عشه بحثاً عن فصولٍ أكثر رطوبة يحتمي بها من شمس البلاد الحارقة، فالذي قدّم بساط الريح يوماً تعب من “فلقات” شاشتنا المتلاحقة على بساط ريحه.

وبالعودة لكامل نجم، زاره بعدها صحافي “حاتم علي” وعندما رأى حال هذا النجم المنطفئ قرر أن يشيع قصداً خبر وفاته في صحيفته، وبدأت وسائل الإعلام تتهافت على عائلته لتصوير برامج عنه وندوات ثقافية وغيرها، ثم كذّب الخبر في الصحيفة، ولكن أعاد الصحافي له سنوات من الأضواء التي كانت فيها تخبو رويداً رويداً، وهذا ما حصل مع نجمنا الإعلامي الكامل الذي أشاعوا اليوم خبر رحيله وتهافتوا عليه من جديد بالتعزية وذكر مآثره وأعماله وبرامجه، ثم ظهر وكذّب الخبر، البعض تساءل إن كان معارضاً حتى يأتوا على ذكره، والبعض كان معتقداً أنه كان متوفي أصلاً، الأغبياء ومن غير قصد قتلوه ثم بَعَثوه من جديد.

ولكن هل نهاية قصة كامل نجم وعودة العمل والأضواء ستتشابه مع نهاية مروان صواف؟ وهل الذي حاور كبار شخصيات العالم العربي يكتفي اليوم بمقال شهري يحاور فيه سائق تاكسي عربي؟.

ذيّل المعزّون اليوم حديثهم بعبارة “للفقيد الرحمة”، وهل تطلبون له الرحمة اليوم بعد أن حرمتموه منها فهاجر من البلد وحرمنا منه ومن رحمته في ظل بقاء أقزام الإعلام؟، ربما معه حق .. فعندما ينخفض سقف الوطن يتوجب على العمالقة البحث عن سقف عالمٍ أوسع يغنّي فيه القمر بحريّة.