الرُّمان في غير موسمه.. رأي إليسا يغلب إحساسها!

قراءة في ألبوم “صاحبة رأي” لشارل عبد العزيز

“إليسار خوري” بشعرها الأسود وغرّتها الثقيلة ظهرت لأول مرة في العام 1992 ببرنامج استديو الفن لتقدّم أغنية “إن راح منك يا عين” لشادية، لم تلفت النظر حينها ولا حتى نظر صانع النجوم سيمون أسمر الذي لم يبتناها فنياً، لتتوجه إلى المسرح السياسي مع وسيم طبارة طليق الشحرورة صباح.

غابت إليسار لسنوات ولم تنتهي الألفية الثانية حتى عادت عام1999 تحت اسم “إليسا”، بألبوم “بدي دوب” الذي أثار الجدل بإطلالة إليسا الجريئة آنذاك بالشرشف وكانت الساحة اللبنانية تتحضر لاستقبال فنانة رومانسية من بعد فترة انقطاع عن نجمات الثمانينات الرومانسيات كعايدة شلهوب ورونزا وهدى وغيرهن، ومما لا شك فيه أن تجربة الديو مع السوبر ستار راغب علامة بأغنية “بتغيب بتروح” أعطت لإليسا مساحة كبيرة من الضوء رغم الاتهامات التي وجهت إليه بغناءه مع إليسا لخلق منافسة لنوال الزغبي التي كانت حينذاك “أكلة الساحة”.

توالت أعمال إليسا وتجاربها مع روتانا للصوتيات والمرئيات حتى أصبحت من أهم نجمات العالم العربي وأكثرهن مبيعاً، وقع الخلاف مؤخراً مع روتانا لتغيير في سياسات الشركة جعل صاحبة أغنية أمري لربي أن تعلنها “أمري لربي وهذا أخر ألبوم مع روتانا”.

منذ أيام صدر ألبومها “صاحبة رأي” من بعد أن أثار الجدل بجلسه تصويره التي اعتبرها البعض “أوڤر شوي” واضطرت روتانا لتعدّل إحدى الصور بالفوتشوب بإضافة “كم دراع قماش فوق الصدر”، فضلاً عن تشابه إحدى الصور مع صورة النجمة العالمية مادونا، كما يذكّرنا تاجها الذي ارتدته بتاج شمس الأغنية نجوى كرم منذ سنوات.

في الوقت الذي يتجه فيه أغلب الفنانين لإصدار الأغاني المنفردة أو الميني ألبوم اتجهت أسعد واحدة لطرح 18 أغنية دفعة واحدة (12 أغنية مصرية، 5 أغاني لبنانية، أغنية فرنسية مُجددة)، مع إضافة أغنيتها اللبنانية قهوة الماضي التي طرحتها منذ فترة، وأغنية هنغني كمان وكمان التي طرحتها في عز أزمة كورونا، تذكر إليسا في أغنية صاحبة رأي عبارة “أنا حالة برا التصنيف”، فكيف يمكن أن نُصنّف ألبوم ملكة الإحساس ؟!

“صاحبة رأي” اختيار جيد لعنوان الألبوم يناسب شخصية إليسا المعروفة بأراءها الجريئة سياسياً واجتماعياً وحتى كمواضيع أغنيات، ولكن كان من الأفضل كما يختار الفنان خط غنائي معين أن يختار مواضيع تثبّت صورته عند الناس، فالكثير من الفنانين يرفض غناء مواضيع معينة لابتعادها عن خطه، كسميرة سعيد مثلاً التي رفضت أغنية “هكتبلك تعهد” قبل أن تغنيها أنغام، فكيف لمن غنت أنا كتير عليك أن تغني هكتبلك تعهد؟، وأصالة ندمت على غناء أغنية “كبرتك على سيدك” لابتعادها عن أسلوبها، إذاً كيف لمن طلبت منا أن نعتبرها عكس اللي شايفينها أن نعتبرها اليوم صاحبة رأي !!

ربما من أجمل أغاني الألبوم أغنيتي “عظيمة” و “أنا شبه نسيتك” ولكن حتى أغنية عظيمة ليست عظيمة كالذي كتبه نادر عبد الله ولحنه محمد رحيم لإليسا في ألبومات سابقة ولا ترتقي لأغنية “بستناك” أو حتى “في عيونك”.

أغنية “ليك لوحدك” تبدو أغنية هاربة من ألبوم أمال ماهر أو أنغام لصعوبتها وحاجتها لمساحات صوتية كبيرة وغالباً لن تغنيها في اللايف كالكثير من الأغنيات التي نجد جودتها تختلف بين ألبومات إليسا وحفلاتها!

“أغانينا” تجربة خليطة ما بين اللغة الإسبانية بصوت “Ledes Dias” واللغة العربية بصوت إليسا، رغم أن لحن محمد يحيى لا يمت للإسبانية بصلة!، فضلاً عن طابع الفرح في الكلام إلا أن نبرة إليسا حزينة حالها حال كل أغاني الألبوم، وتذكّرنا هذه التجربة بأول ألبوم لإليسا الذي أخذ الطابع الإسباني بمشاركة جيرار فيرير والذي كان أكثر نضجاً من هذه الأغنية، ورغم تأكيد إليسا أنها لن تكرر هذه التجربة مرة أخرى إلا أنها كررتها بطريقة عشوائية، فمن غنت مع كريس دي بيرغ ببداياتها ديو ليالي لبنان، كيف تختار اليوم فنان أقل شهرةً وهي قادرة باسمها اختيار أسماء أهم بكثير كتجربة كارول سماحة الأخيرة بأغنية “Bon Voyage” مع الدي جي يوسف، فتخيلوا عمل يجمع ما بين إليسا وإنريكيه إيغليسياس مثلاً!.

من المعروف عن إليسا جرأتها باختيار مواضيع وكلام أغنياتها، ولكن هنالك بعض التفاصيل التي تجاوزت بها الحد كأغنية “وفي” التي كتبها الشاعر علي المولى، وهذه الأغنية أقل بكثير من تجاربه السابقة مثل “يا بتفكر يا بتحس” مثلاً، من غير المقبول ذكر عبارة “كلنا خننا وانخننا” من قال أن كلنا خنا؟، وهل بهذه العبارة نبرر الخيانة؟، وحتى بأغنية “هعتبرك مت” يوجد مصطلحات مثل اللي يحبني يدعي عليك، وهخلي صحابي وأهلي يهنوني، تعتبر مثل هذه المصطلحات دعوة صريحة للاإنسانية ولنهاية العلاقات بطريقة سيئة بعيدة عن الرقي والاحترام، يجب أن يعي الفنان أنه قدوة بكل أغنية يغنيها من خلال تكرارها وأخذ اقتباسات منها من قبل جمهوره، كما كانت أغنية “مباحة ليك” فكرة جريئة من بهاء الدين محمد ومهمة لمناصرة المرأة، ولكنها فكرة جميلة خلقها الشاعر وقتلها الملحن ودفنها الموزع.

“حبة اهتمام” أغنية جميلة ولكن إليسا طرحت نفس الفكرة بأغنية “مريضة اهتمام” مسبقاً فكان من الأفضل اختيار مواضيع أخرى، ومما لا شك فيه أن زياد برجي نسج لحناً بديعاً ولكن لو كانت تجربته في الألبوم لبنانية كان أفضل، وذلك لخبرته فيها بالأضافة لسد نقص الأسماء التي تعاملت معهم إليسا سابقاً بتجارب انتهت بخلاف مثل مروان خوري وجان ماري رياشي وسمير صفير وأحمد ماضي وفارس اسكندر وغيرهم، تنخفض جودة أغنيات إليسا اللبنانية تدريجياً مع كل إصدار حتى كدنا ننسى أنها هي من غنت بتمون وعبالي حبيبي وسلملي عليه.

حاولت أغنية “وأنت قصادي” أن تنقذ رتابة العمل بموضوع عاطفي ندر في الألبوم وإيقاع سريع نوعاً ما، ولعل أداء إليسا في أغنية “Mourir sur scène” كان أفضل من بقية الأغنيات، رغم أنها أغنية لداليدا وكعادة إليسا تجدد أغنية في كل ألبوم، لكن السؤال؛ ما التجديد أو الإضافة التي قام بها ميشال فاضل للأغنية؟، ببساطة لاشيء!، تستطيع إليسا إذاً أن تغني الأغنية على المسرح لايف وتنشرها ككليب دون أن تتكلف أجرة الاستديو.

يمتلئ الألبوم بالحشو الزائد ببقية الأغنيات مثل “على حس حكايتنا، غلطة وقت، سمعني، الي الله، بنحب الحياة”، والمشكلة بقلة الأنماط الغنائية الجديدة، فمثلاً قدمت إليسا ببداياتها الطرب الشعبي بعدد من الأغنيات مثل “ارحم قلبي المشتاق”، شاغلني”، فما الضير بتكرار التجربة؟!، بالإضافة لعدم التنوع في اللهجات، فكانت خطوة إيجابية أن تفاجئنا إليسا بأغنية راي مثلاً أو حتى بلهجة بيضا تكسر جمود الألبوم الكلاسيكي.

كل فنان يحاول أن يعيد تجربة ناجحة مع شاعر أو ملحن في حال وجود كيميا فنية، ولكن إعطاء الفرص لأسماء جديدة مهم أيضاً لتجديد الفنان، مثل عمرو دياب بتجربته مع عمرو مصطفى وحسن الشافعي، إليسا حاولت أن تعطي فرصة لأسماء جديدة ولكنها لم تكن موفقة بالاختيار فلم تُضاف أي قيمة تذكر لها أو لهم.

في حال رغبت أنغام أو سميرة أو راغب وضع صور قديمة كخلفية أغنية يمكن أن نتقبل هذه الفكرة كفنانين لهم تجربة تفوق 35 سنة كحد أدنى، ولكن إليسا مسيرتها أقصر من أن ننسى بدايتها لتذكّرنا بها، ومن الضروري ألا تعود إليسا فقط للصور بل تعود لبداياتها التي كانت فيها أكثر تنوعاً ودقةً وحتى من ناحية استشارة المحيطين في اختياراتها كاستشارتها لعمرو دياب مثلاً، كما يجب أن يعرف الفنان أن الإصدار الفني يشبه إصدار أي آلة جديدة، إن لم تكن أمتن وأجود وأفضل، يأتي وقت لا يشتري من إصدارهم أحد!.