مروان محفوظ .. «حدا من اللي بعزّونا»، فأين الباقون؟

بقلم: شارل عبد العزيز

مما لا شك فيه أن جميعنا يتذكر ذلك الشاب صاحب الصوت الجبلي الجميل الذي وقف خلف الصبوحة ونصري شمس الدين على مسرح بعلبك في مسرحية دواليب الهوا في منتصف الستينات، ثم حالفه الحظ ليشارك في معظم مسرحيات وأفلام الرحابنة مثل سفر برلك، لتكر مسبحة أعماله التي أقل ما يمكن أن يقال أن كلها جميلة وناجحة مع أهم الأسماء فبالإضافة للرحابنة عمل مع فيلمون وهبي ووديع الصافي وسهيل عرفة وغيرهم.

«الفن يولد في القاهرة، يعيش في بيروت، ويموت في دمشق»، قاعدة فنية يرددها أغلب المشتغلين في الوسط الفني ودائماً عبر التاريخ كان الفنانون يذهبون إلى القاهرة من جميع أنحاء العالم العربي ليبدأوا بسملتهم الفنية من مياه النيل، ثم يلمعون كأهرامها فتحتضنهم ست الدنيا بيروت بذراعين مفتوحتين لتكمّل عزهم على بعلبكها وتايتروها الكبير وبيت دينها، ثم يأتي دور الجلّق لتضع درة التاج على مسيرتهم التي إن كانت حافلة تخلدهم حتى باقي العمر وإن لم تكن كافية لفظتهم خارج أسوارها.

هاهو أنطوان محفوظ ابن المريجات أو المعروف فنياً باسم «مروان» كما أسماه وديع الصافي يأتي اليوم ليضيف عزّاً على عزه في دمشق وهو يعلم كالسابقين بأنه لا حب كحبها ولا تقدير كتقديرها، ومن بعد تأجيل بسبب الكورونا حان الموعد واستعدت الأوبرا السورية لاستقباله ببرنامج فني جمع أجمل أغنياته من خايف كون عشقتك، يا جار الرضا، زغيّرة ومولدنة، وطبعاً يا سيف ال عالأعدا طايل الأغنية الخالدة التي صالحه بها زياد الرحباني بعد أن كان يلحن له سألوني الناس عنك يا حبيبي فطلبتها فيروز ومنصور من زياد الذي وافق بعد إذن مروان محفوظ، وعمل على توزيع الأمسية الموسيقيان السوريان كمال سكيكر ومهدي المهدي وبقيادة المايسترو نزيه أسعد.

سُعدنا جميعاً بهذا التكريم الكبير لاسم كبير وورقة باقية لم تهر بعد من الزمن الجميل، ولكن أين بقية الأوراق يا دار الأوبرا؟، أوليس الأقربون أولى بالمعروف؟، لمروان محفوظ أغنية بعنوان حدا من اللي بعزّونا، فأين بقية من يعزّونا ونعزّهم؟

راحوا عالعيد .. والعيد بعيد

ربما من رحلوا من فنانينا الكبار لا نستطيع أن نحتفل بهم اليوم، فهم كجدة فيروز راحوا عالعيد والعيد بعيد، فكيف سنعيد فهد بلان ليغني لاركب حدك يا الموتور، أو فؤاد غازي ليغني تعب المشوار وهو فعلاً تعب مشواره بلا تكريم يليق به، ويا حبذا لو نعيد حسن الحفار «أم كلثوم حلب» بأمسية كلها أناشيد وروحانيات وهو من حلم في أخر أيامه بأن يكرّم أو يغني على مسرح، ولكنه رحل دون تحقيق مراده، أو ربى الجمال وكروان، هؤلاء يستحقون منا اليوم أمسيات تكريمية دائمة لنتذكر أغانيهم أسوةً بأقرانهم المصريين من لهم فرق موسيقية كاملة ودور تعليم موسيقي وحفلات مستمرة بأسمائهم!

وين صواتن وين وجوهن .. وينن

نقول بالعامية «الحي أبقى من الميت»، وبالفعل إذا أردنا أن نكتب قائمة بالفنانين السوريين ممن نسينا أشكالهم وحضورهم على المسرح، لن تنتهي هذه القائمة أبداً، فأين ذياب مشهور الذي بكى العام الفائت غير مصدق أنه تكرّم وأخيراً؟، وأين عادل خضور الصوت الساحلي الأصيل، ويا ليتكم تعيدون عصمت رشيد وموفق بهجت وسهام إبراهيم إلى مسارحنا؟؟، هل يعلم أحد أين يقيم اليوم نجم الثمانينات مروان حسام الدين؟، وهل ستضرنا أمسية إنشاد ديني بصوت عماد رامي؟، من منا لم يشتاق للمايسترو أمين الخياط وفرقته التي عزفت سنوات مع المطربة سعاد محمد؟، وهل صاحب جائزة الأورنينا الذهبية كأفضل صوت سوري عاصم سكر ابن الكبير عبد الفتاح سكر لا يليق به مسرح الأوبرا إلّا حتى الأسبوع الماضي ؟، أسئلة كثيرة تحتاج لإجابات من القائمين على صناعة الحفلات في سورية وعلى الأقل الرسمية منها، أصواتن ووجوهن وينن؟

عودوا قبل ما الجفا يغمر ليالي العمر

كعقد اللولو الذي وقعت حباته في كل حدب وصوب هكذا تشرذم فنانو سورية في كل بقاع العالم، والخاسر الأكبر هو الجمهور السوري الذي افتقد لأصواتهم وأغنياتهم فأين الياس كرم وحمام خيري ونور مهنا وأراكس شيكيجيان؟، أو الجيل الأصغر مثل ديمة أورشو ورشا رزق وهالة الصباغ ولينا شماميان ووعد البحري والكثير الكثير، لما لا يتلقوا دعوات بشكل مستمر ونراهم على مسارحنا بدلاً من متابعتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي في حفلات أوروبية، هم أحق من مغني فنزويلي أو راقصة إسبانية بكل الأحوال، فلقد حان الوقت بعد كل هذه السنوات أن يُطرب الحي من عازف مزماره.