مقابلة مع سيد الموسم

بقلم جوان ملا

هو موسمٌ درامي رمضاني سوري لم يفتح قلوبنا نحوه، بل كسر كثيراً من توقعاتنا وخفّضَ سقفَ الأحلام بدراما ناضجة جديرة بالاحترام، ما أضافَ للمشاهد السوري والعربي هذه السنة خيبة جديدة على خيباته، بعد أن كان الفن هو المتنفس الوحيد له في هذه الجعجعات القائمة في الوطن العربي والعالم.
لكن يغرّد مسلسلٌ خارج السرب، ويخطف الضوء من باقي الأعمال، ويشاهده الكثيرون ويُثنون على تفاصيله.

عمل خارج سرب الفشل

«مقابلة مع السيد آدم» هو عنوان العمل الذي شدّ أنظار الناس نحوه، وهو من تأليف وإخراج فادي سليم وشاركه في النص أيضاً شادي كيوان، والمسلسل يدخل في إطار درامي بوليسي تشويقي استطاع استقطاب شريحة واسعة من الجمهور بسبب حبكته الجيدة وأداء أبطال العمل.

تبدأ الحكاية بجريمة قتل يكتشفها المحقق «ورد» بسرعة وذكاء، لنعرف أننا أمام شخصية ليست سهلة في اكتشاف الجرائم، لكن القضية الشائكة تبدأ عند اكتشاف جثة فتاة مصرية في إحدى المناطق النائية، الأمر الذي يفضح جريمة قتل يتورط بها الدكتور آدم وهو مخضرم في الطب الشرعي حين يطلب منه المحقق ورد المساعدة في تشخيص حالة الضحية، ليكتشف أنها كانت حبلى وتمّ تجريف رحمها وأعضائها للتمويه على ذلك.

لكن القَتَلة استطاعوا تغيير كل شيء في اللحظات الأخيرة بأمر من «ديالا العباس» التي لعبت دورها رنا شميس وهي المتورطة الأساسية في الجريمة المرتكَبة وزوجة ابن الدكتور آدم أيضاً.

يتغير التقرير الطبي من قِبَل يوسف ابن آدم الذي وجد نفسه متورطاً مع زوجته فجأة في الجريمة ليخفي حقيقة ما جرى من أجلها، وتضيع الحقيقة حين يخضع آدم لمطالب العصابة التي خطفت ابنته الوحيدة الصغيرة المصابة بمتلازمة داون والتي تموت في اليوم الثاني من إعادتها لمنزلها بعد تغيير التقرير الطبي الذي كشف فيه الدكتور أن القتيلة كانت حبلى، ما يفتح باب الانتقام لدى آدم الذي يخفي حقيقة موت ابنته قصداً ويبدأ بالتقصي والبحث عن المتورطين في الجريمة

تشويق حاضر وتسلسل مدروس

الحكاية تتشعّب وتتسلسل بطريقة مشوّقة فيما بعد، ثم تدخل في التفاصيل النفسية لكل شخص له علاقة بالجريمة الأساسية التي تشرخ عائلة الدكتور، ثم تبدأ لعبة القط والفأر بين آدم والمجرمين الحقيقيين الذين ما هم إلا ابنه وزوجته وشريكها!.

يتفاجأ المُشاهد في كل حلقة باكتشاف لغز جديد ويفتح أمامه باب التساؤلات، فلا يستطيع الصبر لمعرفة ماذا سيحصل، فرغم الدائرة الضيقة للمتورطين بالقضية إلا أن عدة أمور تحدث تكشف حكاية جديدة، ليكون النص متماسكاً رغم بعض الثغرات في الحوار الذي قد يفلت في بعض المواضع إنما يتم إنقاذه في الوقت المناسب بحدث جديد.

قد يغلب على النص الطابع الأجنبي، ويتضح في بعض المشاهد في العمل أنها مقتبسة في محاولة لتقليد أعمال غربية مهمة سواء أكانت تُعرض على نتفلكس أم غيرها، لكن لم يكن هذا الاقتباس أو التقليد سيئاً، بل تم تنفيذه بطريقة جيدة لا تخلّ بالعمل ككلّ.

أداء وأدوات مهمة

لعب غسان مسعود دور الدكتور آدم بطريقة ملفتة، لا مبالغة فيها ولا تكلف، بل كان هادئاً في انفعالاته يعرف ماذا يريد أن يفعل وكيف ينتقم من أعداءه دون أن يترك وراءه أثراً بحكم أنه طبيب شرعي مختص بالجرائم، فكان الأداء سلساً وصعباً في نفس الوقت، أما رنا شميس فقد استولت على ساحة العمل، فخيوط القصة بين يديها هي، ووحدها التي تقلب الموازين.

خرجت رنا في هذا المسلسل بحلّة جديدة تفوّقت فيها على نفسها، تلونت بين الوجه البريء والوجه الشيطاني بذكاء، فكسبت الرهان، في حين ركّز مصطفى المصطفى على انفعالاته وبنى جسراً جديداً بينه وبين الجمهور فمنح المُشاهد الثقة المطلقة لفنان قادر على التأثير بوجهه وحركاته وحتى بطريقة نطقه للكلمات أثناء لحظات الجزع والحذر بالمشاهد الحَرِجة ليضيف لنفسه خطوة أهم من تلك التي أسسها في شخصيته المستفزة بحضورها في الواق واق عام 2018.

أما محمد الأحمد فرغم هدوئه واتزانه وبساطة أدائه الحاضرة بشخصية المحقق «ورد»، إلا أن هذه الشخصية مكررة نوعاً ما وتتلاقى في كثير من الأدوات والأداء مع شخصية المحقق «بيان» في مسلسل وهم الذي عُرِض عام 2018، ففي المسلسلين هناك قضية قتل تشغل باله وهناك امرأة في حياته «تنكّد» عليه، ما جعله يدخل في التنميط بعض الشيء مقارنةً بدوره في أعمال أخرى أبرزت حضوره، والمرأة التي حضرت في حياة ورد كانت الفنانة جيانا عنيد التي يُحسَب لها لعبها لدور الأم ربما للمرة الأولى منذ بداياتها عام 2010، وجيانا استفزت العديد من الناس بسبب شخصيتها السلبية في المسلسل تجاه غياب زوجها عنها.

وهذا يبيّن أنها استطاعت إيصال مشاعرها وانفعالاتها بحرفية للجمهور، ما جعله يغضب منها فعلاً، ومن الصعب أن يؤدي الفنان شخصية تستفز الجميع لكن جيانا نجحت، كما يحضر أيضاً هدوء ضحى الدبس الراقي، اتزان تولين البكري ولطافة سوزانا الوز التي أثبتت نفسها من جديد، ويقدّم العمل صورة مهمة عن لجين اسماعيل الذي دخل الدراما الاجتماعية بقوة هذه المرة وبأداء سليم بعيد عن التشتت، ورغم أن لجين بقي قوي الحضور على خشبة المسرح أكثر من الشاشة إلا أن دوره لم يمر مرور الكرام، وربما المفاجأة كانت في السدير مسعود الذي استطاع أن يوحي للجميع بمكره وخداعه ولؤمه، فكانت برودته مستفزة وأداؤه حقيقي ومشبَع وجدير بالاحترام وينبئ بمستقبل جيد.

عيوب وغضب شعبي

يعيب على العمل اهتزاز الكاميرا غير المبرر في بعض المواضع، قد نفهم أن العمل بوليسي، وأن الحركة هذه بدافع إيصال التشويق لعَين الجمهور لكن لا يجب أن تكون حاضرة دوماً، أيضاً هناك ثغرات حين شاهدْنا المحققين يدخّنون في المستشفى فوق الجثة وهذا غير منطقي، بالإضافة لتفاجُئِنا بعدم معرفة الدكتور آدم أن زوجة ابنه تعمل في الشركة التي يتورط أصحابها في الجريمة.

ورغم أنها بدأت العمل فيها مؤخراً إلا أن ذلك لا يبرر الخطأ الذي وقع فيه النص خصوصاً أن علاقة ديالا بالدكتور آدم غير منقطعة ومستمرة، وطبعاً رغم الأداء الراقي للفنانة اللبنانية كارمن لبّس التي أكملت العمل بحُلة أنيقة، وحضور الفنانة المصرية منة فضالي في أول عمل سوري لها، ومشاركتها فيه بدور بطولة وبأداء غير منقوص كسبت فيه جمهوراً سورياً أحَبَّها، إلا أن دخول العنصر العربي في العمل كان للتسويق أكثر من كونه خادماً لأحداث القصة وتسلسلها، وقد يُبَرَّر ذلك لفادي سليم بحكم صعوبة الانتشار للدراما السورية الخالصة على الشاشات العربية.

لكن ما قصم ظهر العمل هو الشطط الذي أصابه في النهايات حيث استمرّ حتى ثلاث وثلاثين حلقة ولم تنتهِ الحكاية بعد، فالجريمة مازالت عالقة إلى الجزء الثاني، وهذا ما شكّل غضباً شعبياً من العمل برمّته على وسائل التواصل الاجتماعي رغم أن صنّاع العمل أعلنوا عن جزأين للمسلسل منذ البداية، لكن التشويق فرض نفسه ولم يستطع الناس أن يتقبلوا فكرة تحمُّل انتظار عام كامل لمعرفة الحقيقة كما أن هناك عدة أشخاص لم يعلموا بهذا الموضوع.

والعمل ظهر في موسم درامي ضعيف وجاف ومليء بالكوارث النصية والإخراجية ما جعل المسلسل«أفضل الموجود»، وهذا ما يُغرينا لانتظار الجزء الثاني من المسلسل لمعرفة النهاية أولاً وما إن كان سيبرز العمل في موسم درامي متنوع مع وجود عدة نجوم عائدين لرمضان 2021 منهم سلافة معمار في «حارة القبة»، وأمل عرفة وسلاف فواخرجي وعباس النوري في «شارع شيكاغو» في حال تم تأجيل عرضه إلى رمضان القادم، بالإضافة لجزء جديد من سوق الحرير الذي قد يتطور بأحداثه عن الجزء الأول ويسرق الضوء، إذَاً ربّما من المفيد وجود جزءٍ ثانٍ لأنه يشكل تحدٍّ كبير لصنّاعه في إثبات وجوده من جديد كما أن النهاية تحدد أهمية المسلسل من عدمه لأنه يرتكز عليها تماماً.

لكن يبقى «مقابلة مع السيد آدم» عملٌ جدير بالاحترام، وخطوة مهمة حققت حالة من شغف الانتظار والترقب في الشارع السوري والعربي، وكان المسلسل الأكثر مشاهدة على تطبيق «أبو ظبي» وهذا بحد ذاته يفرض وجود الدراما السورية على الأرض حتى في عمل واحد وموسم ضعيف لم يرتقِ لإشباع المشاهد.