عن «الطفيلي» الذي يمتص دمنا في الدراما السورية

بقلم: حسام الزير

في واحدة من حلقات “ضيعة ضايعة” المميزة، بدا فجأة “أسعد” يمتلك سرّاً خفياً يجعله من ميسوري الحال، بعد أن عاش فقيراً فقره بادٍ على كل مفاصل حياته.

دفع ديونه المتراكمة عند “صويلح” واشترى أغراضه “شندي” ثم قدّم لزوجته فستاناً كهدية، قبل أن تُثار الشكوك حقيقةً حوله ويتحوّل إلى المخفر بتهمة ملفقة من مخبر الضيعة “عادل” اتضح بطلانها ومعها السر الخفي وراء حداثة نعمته، كان فقط كل ما في جيبه يذهب إلى جيب جار الرضى “جودة”، قبل أن يقرر مقاطعته.

كعلقة أو دودة شريطية، “جودة” لم يوفر لحظة إلا واستغل فيها جاره “الدرويش” وحوّله إلى فقير “بجيب مثقوبة”، ووفر في سبيل ذلك كل الحيل المدروسة لذات السبب، وبدا “جودة” كما لو أنه لا يستطيع العيش دون الاستغلال والتطفّل.

“الطفيلي” ليس فقط ذلك الكائن الذي يعتاش على غيره ولا يستطيع البقاء من دونه، هو أيضاً عنوان لـ”فيلم” كوري جنوبي من تأليف وإخراج “بونغ جون هو”، حصد أربع جوائز أوسكار دفعة واحدة.

هو فيلم أحداثه ليست بعيدة عن المشاهد السوري الذي تابع “جودة في ضيعة ضايعة” و “أم محمود” تلك السيدة التي اعتاشت على جارتها في مسلسل “جميل وهناء”.

“بونغ جون هو” صوّر فقط الطفيلية كحالة أمر واقع، لأسرة شبه معدمة، لم يكن لها لتتمكن من العيش إلا إذا اعتمدت التطفّل، على أسرة ثرية منفصلة تماماً عن واقع ما يعانيه الفقراء في ذات البلد.

تبدو الحالة متطوّرة في الدراما السورية، إذ رغم تشابه الحال المادي لـ “أسعد وجودة” إلا أن الأخير كان متطفلاً، يمتص دم جاره. وفي حالة أم محمود، رغم ربحها جائزة اليانصيب الأولى، إلا أنها بقيت محافظة على تطفلها بشكل أو بآخر.

يبدو الطفيلي في الدراما السورية، ليس فقط ذلك المحتاج الفقير إلى مضيف، إذ رغم اكتفاءه وتوفر كل مقومات الحياة حوله إلا أنه يحافظ على حالة التطفل كأنها جزء جيني لا يمكن التخلص منه.

الحالة أوضح في شخصية “أبو نجيب في زمن البرغوث” ذلك الرجل الذي يمتلك عقارات وأموال مخبأة، ومع ذلك يحافظ على مظهره الفقير الرث، ثم أفعاله التي تشي بفقره، عندما يتسوّل طعامه وشرابه من موائد العزومات وأضاحي الكرماء.

الطريف أنه ورغم افتضاح أمره، ومعرفة كل أهالي الحي حيث يقطن بثراءه إلا أنه بقي محافظاً على حالة التطفل تلك، وكأنها ضرباً من الذكاء لا أحد يعلم به.

في الواقع يبدو التطفل أوسع، هو شيء لا يمكن تبريره في معظم الأحيان كما وصلنا من فيلم “الطفيلي – Parasite” عندما يكون الفارق الطبقي كبير ولا يسعى الأثرياء للوصول إلى الفقراء وتقديم العون لهم، ويضطر حينها الفقير للتحايل ليجد عملاً جيداً.

الواقع يظهر أنواعاً أكثر من التطفل، قد تكون من فقير على حساب فقير آخر، أو من شخص لا يحتاج إلى التطفل ليصل إلى مكان ما، لكنه يتصرف كطفيلي ويمتص جهد الآخر على سبيل الهواية.