بعد عبد الوهاب وفيروز وبوني تايلور وخوليو إغليسياس، رحّبوا بحسن شاكوش في دمشق!

بقلم: الدومري

عام 1930 زار الموسيقار محمد عبد الوهاب حلب لأول مرة، وإذا كانت شهرته في مصر قد بلغت أوجها، فإنها في حلب لم تكن كذلك، وكان متشوقاً لإقامة حفلة فيها، لكثرة ما سمع عن حب أهل حلب للطرب الأصيل، وكيف أن جميع أهلها من السميعة الذين لا يعجبهم العجب ولا يطربهم أي صوت.

واتفق عبد الوهاب مع أحد أصحاب المسارح في حلب لإحياء حفلة قابلة للتجديد لحفلات أخرى، وفي الحفلة الأولى نظر عبد الوهاب من خلف الستارة إلى الصالة قبيل بدء الحفلة، فرأى الصالة فارغة باستثناء بضعة رجال من العجائز فسأل عبد الوهاب صاحب الصالة عن بقية الجمهور، فأجابه صاحب الصالة أنه سيقبض أجره كاملاً مهما كان عدد الجمهور، وغنّى عبد الوهاب أمام العجائز وهم يرهفون آذانهم إليه دون إظهار أي انفعال، وفي اليوم التالي ذهب صاحب المسرح إلى عبد الوهاب في الفندق واتفق معه على حفلة جديدة.‏

وفي المساء فوجئ الموسيقار الكبير بالمسرح ممتلئاً عن آخره، فتعجب وسأل صاحب المسرح عن سبب غياب الجمهور أمس وكثرته اليوم فأجابه صاحب المسرح: إن العجائز الذين حضروا أمس هم سميعة حلب، وهم بمثابة لجنة تحكيم إذا أعجبهم غناء المطرب أوعزوا إلى الجمهور ليحضر في اليوم التالي وإذا لم يعجبهم يمتنع الجمهور عن الحضور.

تقول الصحافة الفرنسية إنَّ الفنان الذي يستطيع أن يحيي حفل على مسرح الأولومبيا في باريس هو فنان استطاع أن يدخل العالمية من أوسع أبوابها على الرغم من أن عمر المسرح لا يتجاوز 200 عام.

ولكن عندما يتجاوز عمر المسرح 3000 عام، من المفروض أن تصبح المعادلة أصعب، ولا يمكن إلا للفنان كما نقول بالعامية (النافخ روحه) أن يستحق الوقوف على مسرح قلعة حلب التي شهدت أحجارها حفلات لأهم النجوم بالعالم كصباح فخري، ميادة الحناوي، كاظم الساهر، جورج وسوف وغيرهم، ولليوم رغم الحرب إذا أنصتت للحجارة تسمع فيها نغمات موسيقية محفورة لا يمكن لأي حرب أن تلغيها.

ومنذ عامين عندما أُعلن عن حفلة لفرقة أوكا وأورتيجا المصرية على مسرح قلعة حلب، نزل الخبر كالصاعقة على رؤوس أهل حلب الذين استنكروا الخبر وقالوا: “رح نسكّر طرقات القلعة وما نخليهن يدخلوا”، وبالفعل تم إلغاء الحفلة.

واليوم بعد قرار نقيب الفنانين في مصر هاني شاكر عن منع فنانين المهرجانات من الغناء فيها، صرّح محمد رمضان أنه سيحترم القرار وسيحيي حفلات خارج مصر، والطامة الكبرى أن أحد مغنيي المهرجانات واسمه “حسن شاكوش” أعلن عن حفل في أحد بارات دمشق بمطلع شهر نيسان القادم، وقال بالحرف الأحد: “هنولع الدنيا في ديمشئ”، تماماً كما قالتها نسرين طافش في مقابلتها الأخيرة في مصر.

عزيزي القارئ، لست بصدد الهجوم أو الدفاع عن قرار هاني شاكر أو عن حفل “حسن شاكوش”، ولكن سأقدّم لمحة لأبرز من غنّى في سورية من الفنانين العرب والأجانب وإذا شعرتم أنه يمكن أن يكون ضمن هذه القائمة .. أخبروني.

الدومري سيضيء اليوم فانوس أبرز الحفلات الفنية في سورية للفنانين العرب والأجانب.

البداية مع معرض دمشق الدولي الذي استقبل منذ عشرات السنين عشرات الفنانين العرب كالسيدة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وصباح ووردة الجزائرية ومحمد عبد المطلب ولطفي بوشناق وعبد الوهاب الدوكالي وغيرهم.

وبمنتصف السبعينات شهدت مسارح دمشق ومدرجاتها أسماء جديدة من الفنانين العرب كعُلية التونسية صاحبة أغنية “عاللي جرى”، وشريفة فاضل صاحبة أغنية “لمّا راح الصبر”، ورابح درياسة صاحب أغنية “نجمة قطبية” وغيرهم.

فضلاً عن الحفلات الخاصة، كفندق الشيراتون الذي شهد انطلاقة الموسيقار ملحم بركات أيام الحرب الأهلية اللبنانية وكان يشتري القليل من الفستق يومياً ليقتات، وشهد هذا الفندق ولادة أجمل أغنياته كأغنية “على بابي واقف قمرين” التي غنّاها لفتاة سورية، بالإضافة للسوبر ستار راغب علامة الذي كان لديه حفل أسبوعي في نفس الفندق، بالإضافة لنادي الشرق الذي استقبل محمد جمال وزوجته طروب، سمير يزبك، نصري شمس الدين، جورجيت صايغ وغيرهم.

ولم تقتصر الحفلات على دمشق وحلب وفقط، فلقد شهدت حمص عدد كبير من حفلات الفنانين العرب كوديع الصافي وسميرة توفيق وطوني حنا، بالإضافة لمسرح تدمر الذي شهد مهرجان البادية فيه عدد كبير من الفنانين.

ومن أبرز المهرجانات السورية الأخرى كان مهرجان القلعة والوادي الذي استقبل شيرين عبد الوهاب ونوال الزغبي وكاظم الساهر ونجوى كرم التي صرّحت مؤخراً أنها تدفع نصف عمرها لتعيد نجاحاتها في سورية، بالإضافة لمهرجان المحبة ومهرجان دمشق السينمائي وغيرهم.

ومن الفنانين العالميين الذين أحيوا حفلات في سورية ديميس روسوس في السبعينات، وجين مانسون وبوني إم في الثمانينات في فندق الشيراتون وإيبلا، وبقيت هذه الحفلات مستمرة في أغلب المناطق السورية حتى فترة الألفينات التي شهدت مجيء خوليو إغليسياس وبراين آدامز وإنريكيه إغليسياس وغيرهم، وحتى شارل أزنافور كان سحيي ليلة في دمشق وتم توزيع الملصقات الطرقية ولكن تم إلغاء الحفل بعد معرفة أصوله اليهودية، وقبل بداية الحرب في سورية تم التواصل مع شاكيرا وبيونسيه لإحياء حفلات ولكن حالت بداية الحرب دون ذلك.

وعصفت رياح الحرب في سورية وشلّت بعواصفها كل أشكال الحياة الحياة الثقافية والفنية التي استعادت القليل من أشكالها منذ عامين بمهرجانات على مستوى محلي كمهرجان ليالي قلعة دمشق ومهرجان الياسمين في دمشق الذي استقبل بعض الفنانين العرب ككارول سماحة ومروان خوري وملحم زين وغيرهم.

لذا فالعبرة قبل أن ينتهي فتيل فانوسي، في البدء كانت بلاد الشام الكلمة، كانت اللحن والموسيقا والثقافة، من غير المسموح اليوم بعد الأسماء التي أسلفناها أن نسمح لمن لا يتساوى معهم أن يغني في سورية، وهل يتساوى!، مصر التي صدّرت لنا الفن والسينما، وكان يأتي أشهر مطربيها للغناء وأشهر الممثلين لافتتاح أفلامهم، هل يمكن أن نقبل ونسمح ما منعته هوليوود الشرق!

البارحة صدرت أغنية لواحد ممن يغنوا المهرجانات بعنوان “فيرس كورونا”، والحقيقة فيروس كورونا ككل الأوبئة يمكن أن يفتك بمكان وزمان معينين ثم يختفي أثره كبقية أسلافه، ولكن الفن إن لم يُقّدم بالشكل المناسب قد يفتك بشكل أشرس من أي وباء ويبقى أثره لسنوات أطول وبأجيال أكثر وعندكم البقية.