مع هجرة النجوم .. لا ثنائيات تشغل الفؤاد وتروي الواقع

قبل أيام مرّ عيد الحب باستذكار مشاهد أثيرة من الدراما السورية جمعت ثنائيات من النجوم تاهوا في قصص الحب، وتذكر الجمهور أسماء الشخصيات العاشقة معتداً بغرامها ومشبهاً مشاعره لتفاصيل عاشها النجوم حين خلعوا رداء الشهرة على باب القلب، وهكذا بدأت الحكاية.

بقلم: أنس فرج

فهل تمكنّت الدراما المشتركة من القضاء على شكل الثنائية الدرامية السورية في الحب، فغابت عن مسلسلات الدراما لقاءات أثيرة يمكنّها أن تلخص طبيعة العلاقات العاطفية في هذا الزمن وتؤرشف أفكار المجتمع السوري في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد كما فعلت ثنائية “جلال وحنان” في مسلسل “ليس سراباً” حين طرحت فكرة الحب بين ثنائي مختلف دينياً وذلك في بادرة جريئة لمسلسل حمل أفكار يسارية تقدمية وخرج من إطار النقاش نحو الصدامية حول احتمالية سن الزواج المدني في سوريا.

وليس بعيداً عن ذلك، كانت ثنائية “جميل وبثينة” في مسلسل “زمن العار” والتي ناقشت فكرة الزواج دون موافقة الأهل في تحدٍ واضح لقرار بثينة في الخروج من كنف العائلة والتمرد على النظام الاجتماعي التقليدي قبل سنوات قليلة من انفتاح المجتمع السوري على الهجرة وتغير المفاهيم التدريجي نحو مفاهيم مثل الارتباط رغم البعد الجغرافي أو الزواج وفق القوانين الأوروبية.

هكذا نشأ الصراع بين “محمود وجابر” على نيل قلب “وردة” في مسلسل “غداً نلتقي” لتحفر الحكاية في ذهن الوجع السوري التضاد بين ثنائية الأخوّة وثنائية الغرام، وتفسّر الصراع الاجتماعي الحاد شاقولياً في بنية العائلة السورية نحو إيجاد أمان نسبي في ظل النكبات المستمرة المحيطة بالشعب.

خطوة إلى الخلف قليلاً، مع مطلع عام 2011 وثنائية “رؤوف وسماهر” في أول أجزاء “ولادة من الخاصرة” حيث تقدّمت القوة على الحب وتحولت إلى عنف مضمر في النفس البشرية، سينفجر إلى استمتاع في التعذيب ويكشف عن انتقام داخلي لم تكن للدراما لتصوره عن عبث طالما سيتكشف بشكل جلي في السنوات المقبلة من تاريخ سوريا المعاصر.

تتابع الدراما اقتناصها للواقع عبر رصد ملامح الفراغ العاطفي الذي اعترى المجتمع السوري في سنوات الحرب، لنجد ثنائية “ورد وتيم” في مسلسل “قلم حمرة” والتي بنيت على أساس العلاقة المفتوحة التي باتت خياراً عاطفياً مقبولاً لم يكن ليقنع الشباب السوري لكنه تحوّل إلى ملجأ آمن في خط التغير المستمر للظروف المحيطة، وفي نقاشات “ورد ” لنفسها خلال العمل وحوارياتها مع الطبيب النفسي المرهق أيضاً “تيم” جدال واسع حول تركيبة الأسرة السورية ومفهوم صمود الثنئاية الزوجية بشكلها التقليدي في هكذا زمن.

وحيث تنطق الرواية بما يمكّن الصورة من بناء أثر أعمق، جاءت ثنائية “عروة وهناء” لتهبط إلى عمر الشباب وترصد حالة الشيخوخة المبكرة لدى الإنسان السوري في مقتبل العمر، فلم يبنَ النص على أساس النضوج العاطفي لأبطال الثنائية بقدر ما رصد حالة الظفر بمن نحب وما يلي ذلك من انكسارات قد تضع مصير العلاقة على المحك، انطلاقاً من مبدأ “الفقد” الذي بات جزءاً من يومياتنا.

وإذ يسكب المسلسل رحيقه الدرامي في حكاية تستمر لثلاثين حلقة مفعمة بالهوى، لا يمكن إغفال ثنائيات ملهمة في “أهل الغرام” و “اسأل روحك” و”ندى الأيام” وحتى في بعض لوحات “شبابيك” إلا أنها لم ترتقِ إلى صناعة حالة طويلة الأمد من الديمومة والتأثير نظراً لطرح العلاقة العاطفية من باب المشكلة وليس من باب الخط الزمني وارتدادت الواقع على سير العلاقة.

اليوم في هجرة النجوم السوريين إلى الدراما المشتركة والمصرية، نصاب بفجوة درامية حقيقية فلا مسلسلات تلتقط أنفاس العاشقين وتصورها كما يتنفس سكان البلد ولا آهات المفارقين أينما حلوا تجبل في حكاية توثق عمق مشاعرنا وتناقش إلى أي حال وصل السوريون في مخيلتهم العاطفية، وكأنّ الدراما اليوم عائلة تشتت أبطالها فما عادوا يقوون على الاجتماع تحت سقف واحد في مشهد دافئ لطالما انتظرناه في يوم ممطر آخر.