المسيح من رسالة سلام إلى «عقيدة» نتفلكس

إعداد: أنس فرج وكرم صايغ

هذه المرة من سوريا نظرياً وليس على أرض الواقع، تبدأ الحكاية من أطلال يقال أنها قاسيون ومواطنون يطوفون حول رجل يخطب بهم، عاصفة رملية تصيب المدينة وتدحر “داعش” المحاصرة لدمشق في 2019.

برج الظلام يظهر خلف المسيح

يصدّق الجموع أنه خارق ويسيرون خلفه نحو الحدود الفلسطينية حيث أنشأت إسرائيل سلكاً شائكاً رفيع يزال باليد الواحدة، يزيح “المسيح” السياج ويعبر، أهلاً بكم في أكذوبة “المسيح” على منصة التأثير الأكبر عالمياً “نتفلكس”.

فنحن بشر لا يمكننا إلغاء تطور الحياة بالمنحى التكنولوجي وعلينا تقبل تغيّر أسلوب التعامل مع وسائل الإعلام، ولكن مع مرور الزمن بدأنا نلاحظ الاندماج حد التورط بما لا يرفع قيمة ذائقتنا.. بل على العكس نحن في انحدار، وكما نعلم أن التكنولوجيا وجدت لتحسين طبيعة حياتنا وأفكارنا على عكس حالنا اليوم، فإنها باتت تفتح علينا أبواباً للمجهول ومنها ما تبثه نتفلكس من أفكار.

تهدمت كل المدينة عدا الكنيسة

الشبكة التي منحت المشاهد فرصة الحصول على حلقات العمل خلال يوم واحد ليصبح متاحاً للعرض، راحت تستقطب الآلاف بل الملايين لمتابعة أعمالها وكأننا نلاحظ مشروع ليس ببريء خلف ستارة أعمالها، فإذ أطلّ عليها مؤخراً مسلسل Messiah وهو اللفظ الأجنبي لكلمة “المسيح” على عكس ما تم ترجمته “المخلص”، عبر حكاية تضرب بعرض الحائط المعتقدات الدينية المسيحية وتقطع رأس ما كتب عن الإسلام دون إشارة أو إساءة لإسرائيل والديانة الرسمية فيها وهي اليهودية، حاملاً المسلسل في حلقاته العشر مجموعة من الرسائل المبطنة وبالقصد كانت واضحة من الناحية البصرية والنصية:

نناقش وإياكم أبرز وأهم النقاط فيما يلي من حيث العناوين بربطها بصرياً ونصياً بأسماء الحلقات العشر غير العفوية من حيث التسمية والمرتبة بدلالات دينية:

1- “من له آذان فليسمع أننا نحن من يتحكم بالعالم وحتى بقدوم المسيح الثاني” هذا ما قصدته “نتفلكس” بالاستخفاف بعقول الشعوب المسيحية والإسلامية عن طريق مباشرتها بالترميز لعمامة الشيخ الشيعي الذي آمن بالمسيح المزعوم بعدما قادهم للحدود الإسرائيلية إضافةً للقس المسيحي الذي أنقذ كنيسته،  كما يتهم المسلسل الطائفة الإسلامية السنية بالتحريض على الإرهاب حيث أنها هي من تقود العمليات الإرهابية حول العلم فنرى المشاهد الدموية منبعها الإسلام وضعف الشخصية، أما الحضور والقوة فهي لدى المسيحية.

2- الإنتفاضة الخلاقة التي تقودها “حركة البناؤون الأحرار” من خلال الدمار الذي سوف يلحق العالم مع بقاء الطائفة البروتستانتية حتى تحصل على مبتغاها منها، ثم تحرق الطائفة نفسها بنفسها من خلال لقطة تبيّن بقاء الكنيسة وحدها وسط الدمار ومن ثم القس يحرق الكنيسة بنفسه.

3- “هذا من عمل الرب، كل ما حل بكم من نكبات وليس لنا يد فيها فأنتم من صنعتم الدمار لأوطانكم” هذا ما ستستنتجه من خلال متابعتك للعمل حيث تقوم شعوب المناطق المنكوبة وسوريا بالخصوص بإلحاق الدمار والإرهاب بحالها فيبدأ العمل من خلال المسيح الذي يرمز وبشكل واضح لحركة البناؤون الأحرار بتحريرهم من وجود “داعش” في سوريا.

رمز الصليب المقلوب

4- محاكمة دون قانون، فيحكم العمل على المشاهد برسائل واضحة وصريحة حيث نرى في أحد المشاهد “الصليب المقلوب” وهو رمز يسيء في كثير من الحقب الزمنية لإهانة رمز المسيحية، إضافة لدعوة المسيح المزعوم للناس بعدم مواجهة إسرائيل بالسلاح وبعدما عبرت الفكرة من خلال السيناريو ليربطها المخرج مشهدياً بتعري الشاب “جبرائيل  أمام الأسلاك الشائكة والسلاح الإسرائيلي قاصداً القول بأن لا سلاح في وجه إسرائيل أو جميعنا عراة أمامها وهي من تبصر كل شيء.

 5- لأنهم مُبصرون لا يبصرون، حيث أن الكثير ما يُصنع ويحضر لهذه الشعوب في الغرف المغلقة التي تتحكم بالعالم بيد إسرائيلية أمريكية ليستعرض المسلسل التقنيات العالية في مراقبة كل دول العالم إضافة للتنسيق العالي ما بين إسرائيل وأميركا، وسط اقتحام لاتصالات العالم وخصوصياتها وإظهار المجتمع العربي على أنه تابع ومسيّر، في حين السيطرة بيد القوة الإسرائيلية التي تتلاعب حتى على المخابرات الأميركية.

6- لا نرقد كلنا، حيث أنّ العمل يؤكد أن إسرائيل هي الباقية، فبعد خروج القافلة التي تبحث عن مأوى من فلسطين وسوريا تلجئ للأردن لتقاتل ضمن فصائل متطرفة دون عودتهم لديارهم بالإضافة لرمزية شجرة الحياة في لقطة واسعة شاهدناها بالكثير من الأفلام والمسلسلات فيعيد المسيح المزعوم الوعي لابنة القس بعدما فقدته في الصحراء.

المسيح يسير على الماء كمعجزة

7- يقول فيكون، حيث لا قول يعترف به أو يؤمن به الشعب إلا كلمة المسيح المزعوم، بمحاولة لنفي جميع المعتقدات وأقوال السيد المسيح بالإضافة لما كتب في القرآن. فضمن المشهد الذي يرفض فيه الكتب السماوية نشاهد برج الظلام الذي رأيناه في أحد أفلام الكرتون ” ابطال الديجيتال ” وهو رمز يستخدم لدى البناؤون الأحرار، وإذ بالمسيح المزعوم يسير على الماء في محاولة لإعادة أحد أعاجيب السيد المسيح متجهاً إلى برج الظلام وفي لقطة واسعة توضح مراقبة الشعب للأعجوبة المزعومة، وقبل خطابه بهم تعبر أمامنا لقطة قريبة نشاهد من خلالها جموع غفيرة واقفة أمام مبنى يحوي أعمدة تشبه هيكل سليمان حتى نرى في مشاهد أُخرى دخوله لحرم المسجد الأقصى وشفاءه لطفل يصاب برصاصة.

8- قوة قاهرة ستحصد كل شيء وتبقي من تريد أن يبقى لترتقي بالمجتمعات بشكل سامي حيث لا للفقر، السلطة فقط من تحكم والعبيد هو الفقير.حيث رمز لهذه الأفكار من خلال العاصفة الرملية التي رُبط المشهد من بعدها بهجرة السوريين خارج سوريا، بالإضافة للإعصار الذي هب بإحدى بلدات أميركا والفيضان الذي حصل في فلوريدا.

9- الله أكبر هو دعاء معروف يمجد من خلاله المسلمون الله الخالق لتعظيم اسمه، ربط مؤخراً بالعمليات الإرهابية التي طالت مناطق في العالم ليربط المسلسل الفكرة بان المسيح المزعوم هو من أصول إيرانية شيعية إضافةً إلى أنه مختل عقلي دخل مصحاً عقلياً وتعلم أساليب السحر وألعاب الخفة.

10- أجرة الخطيئة ليست كما تعلمها الكتب السماوية بل كل من لم يرفض قوة إسرائيل هو من سيدفع الثمن لا مجال للغط والتفكير بما يرتبط بالسيطرة والهيمنة الإسرائيلية والصورة الملائكية التي يزعمها العمل لإسرائيل وأميركا وإظهار السوريين بصورة مسيئة و رخيصة. إضافة لإظهار اليهود الإسرائيليين والشعب الأميركي على أنهم شعب حضاري يحتوي بعض المشاكل المجتمعية التي لا تخلو منها مجتمعات العالم.

الجميع يسير خلف المسيح أمام بناء يشبه أعمدة الهيكل

العمل وبشكل صريح يحاول إيصال رسائل مباشرة دون تلغيم أو ترميز وحتى إن وجدت الرموز فهي قصدت وعن عمد وبشكل مباشر. لينقاد المُشاهد في بعض الأماكن ويتمنى أن يعتنق ضباط الاستخبارات فكر المسيح المزعوم، ورغم ذلك عُرض العمل دون ردع من قبل السلطات الدينية الإسلامية والمسيحية على الرغم من رفضهم لكثير من الأعمال التي تهين المقدسات سابقاً فهل رحلة نتفلكس ستصل لمبتغاها وتبث معتقداتها دون ردع ؟

إسرائيل لا تجابه إلا عارية

وحيث لا يمكن للدراما أن تُقف عند حد معين، يجنح خيال المؤلف لافتراض أسطورة لا منطق لها، لكنها لا تنفصل عن تبعات ما يحيط بالمنطقة العربية، فلنلاحظ هذه التقاطعات:

  • في الوقت الذي يكثر التحذير به عن جيوب داعش في المنطقة، وإمكانية عودة التنظيم للواجهة إذا ما انسحبت القوات الأميركية، يظهر لدينا في المسلسل قوات داعش تحاصر دمشق العاصمة من كل الجهات في عام 2019.
  • في الطريق إلى الانتخابات الأميركية خريف هذا العام، يظهر الرئيس الأمريكي في المسلسل على أنه يسعى لاستغلال قصة المسيح في حملته الانتخابية.
  • في الوقت الذي تحاول إسرائيل إظهار نفسها على أنها الحمل الوديع في المشرق العربي، يصور المسلسل العرب على أنهم يسيرون بشكل أعمى نحو الحدود ويستقرون لأسابيع دون أي رادع في حين تتعامل السلطات الإسرائيلية معهم بكل رفق وتتركهم على الشريط الحدودي.
  • في الوقت الذي يحاول المسلمون إظهار براءتهم من التنظيمات المتطرفة، يصور المسلسل الكهوف في الأردن على أنها مراكز لتدريب عناصر جهادية في تصور مسبق اتبعته امريكا في إنتاجاتها إبان الحربين على أفغانستان والعراق.
  • يحاول العمل إظهار التطرف الإسلامي ضد المسلمين أنفسهم، فبدل من استهداف مسلم بحزام متفجر لكنيسة، يذهب لتفجير نفسه داخل مسجد أثناء الصلاة.
  • يحاول المسلسل الاستثمار في الرأي العام الأميركي من الإشارة لقلق السلطات الأميركية من التمدد الروسي في الشرق، وإنذار الرئيس الأميركي لرجال البيت الأبيض من خطورة إفساح المجال أمام روسيا للوصول إلى سوريا.
  • يعمل المسلسل على الإساءة لكافة الرموز الدينية عبر عقد مؤتمر صحافي للمسيح في أمريكا يحضره ممثلين عن كل الشرائح الدينية بمن فيهم طوائف المشرق العربي.
  • يلعب المسلسل على وتر “الرجل المخلص” كرواية مشتركة بين الأديان السماوية في منطقة المشرق العربي ويقاطع ذلك بمجموعة من القصص المنطلقة من بوابة الدين، حيث يقدم “المسيح” من الشرق أي “إيران” ويستغل حرب مليئة بالدماء في بلاد الشام ويتجه إلى نهر الأردن عابراً إياه نحو مهد الرسالة المسيحية في “بيت لحم”.
  • ينتهي المسلسل بعرض الطائرة المستهدفة قد سقطت في جنة من الزهور وسط الصحراء مع مشهد للممثل المصري خالد أبو النجا يقبّل يد المسيح في مشهد مستفز لاختيار خالد بالتحديد لأداء هذا المشهد.

وإذا ما أردنا قراءة المسلسل مشهداً مشهد سيطول الحديث لمقالات عديدة، ولكن هل نعي ماذا نريد وبمن نؤمن حتى نفسح المجال لحكاية درامية بالعبث بشكل هيستري في تاريخ منطقة منذ آلاف السنين تحت شعار”يحق للدراما افتراض كل شيء”.. هذا حتماً ليس افتراض، بل عقيدة تسيّر بها نتفلكس جيل شاب بدأ يقتنع أنّ كل ما يبث على هذه المنصة مؤثر لدرجة الحقيقة!