لعنة «الثالوث المحرم» على الثالوث الإبداعي

بقلم: كرم صايغ

لعلّنا نبحث عن مخارج أنفسنا في بعض أروقةِ الدراما لتأخذنا الحياة المسرحية برشفة نبيذٍ مُرْ الطعم، يلفح علينا الشتاء بنكهاتٍ ممزوجة بطعم العلقم لتطلّ السينما غير مشبعة.

هكذا أُسروا، فالدّراما باتت تبحث عن مهربٍ ممن أسرها فلا تجدُ بوابات واضحة تعطي المساحة الحقيقية لصراعات الشارع وتكاد أن تخرج من وحدتها بقليل من العبارات المبعثرة التي كتبتها دون جدوى على جدران سجنها المنفرد الذي خلا من كل ما يسدّ الرمق إلّا من وجبة طعام ممسوخة تقدم لها خلال اليوم، تحوي مزيجاً يسمّى (الأعمال العربية المشتركة)، فتزحفُ هي لتتناول لقمة تسد جوعها فتأثرها ضربات قوية على باب الزنزانة من حارسٍ سجان لا يعرف رحمة على كتفه رتبة (شركة الإنتاج)، يراقب أنينها ونزف روحها غير مبالٍ ولا مقبلٍ حتى على مساعدتها بقليل من المبادرة لتتناول طبقها مرغمةً كي تبقى على قيد الحياة، ورغمَ أنّها تعلم أنَ استمرارها بتناول هذا السّم سيودي بروحها للموت.. هي اليوم ما زالت على قيد الحياة رغم الألم.. فهل من عافية؟

في مساحة أُخرى من السجن يجلسُ المسرح في الباحة يدخنُ سيجارته الأخيرة، ويشعل عود الثقاب مراقباً ذوبانه، فهو المحكوم بالسجن المؤبد ينفث دخان سيجارته الأخيرة ويهمس “لا مسرح إلى الأبد”، أمارات وجهه شبه معدومة، وخطوط وجهه تشي حكاية سنين من النضال في سبيل قضية أسرته دون أن يفك أغلالها حتى ليعتقد جميع من أبصر حاله أنه كان على يقين من استحالة حلها كعامل أساسي لالتقاء الثقافة بالشارع غير مجدية في زمن حكم بالمؤبد من قبل رواده قبل لاعنيه، هنا يسير أسيراً لهذه الباحة الواسعة متأملاً الوحدة مصغياً للصمت على الرغم من أن اللغة الصامتة المسرحية أكثر ألماً من اللغة المحكيه فبعض النظرات الممزوجة بلعنات الحركات الواسعة كافية لتبكي من يشاهد، إذاً لماذا سُجن؟ من الذي لم يتعاطف معه؟ أين جيشه؟

ومع وقوفه وسط الباحة صارخاً، سَمِعت صوته السينما حينما كانت في غرفة التعذيب لتعلم أن جميع أشكال المعتقل توازي أحياناً ألم الروح، فكانت جالسة على كرسيٍ بثلاثة أرجل كُتب على كل واحدة “الثلاث محرمات” تسمع أصوات قطرات المياه المتساقطة على فروة رأسها ويخاطبها المحقق بألعن العبارات رغم أنّها لم تخرجْ في السنوات الأخيرة عن نص الرقيب ولا حتى حاولت الخروج، حيث أنها كان تحكي عن الجنس، الدين والسياسة حسب وجهة نظر الرقيب لدرجة أن المخرج والكاتب كانوا الرقيب نفسه ولكنها كانت تعلم أن المسألة مسألة ماضٍ حرٍّ وهي تدفع ثمن ماضي الحرية المغيب اليوم أو منذ أعوام ليست بقليلة.

لعلّ ما يصيب المشهد الفني لا يقتصر على المحتوى الذي يخصّ السيناريو والإخراج والتمثيل، بل هو ما أصاب الفن وأعطاه اللعنة ليصبح ملعوناً مهمشاً مهدداً بالانقراض في بلد عرف الفن وتاريخه وحتّى أنّه هو من أرّخه وسطرّ أجمل أيقوناته حول العالم.