فرح الدبيات.. عندما يعرف الممثل ماذا يريد!

حوار: حسين روماني

نَزَلَت من على سلم الموسيقى بعد أن وصلت به إلى السنة الثالثة في كلية التربية الموسيقية بحمص، وقفتْ في طفولتها وهي في الصف الخامس الابتدائي على خشبة المسرح، لتعود وتدخل قاعة المسرح الجامعي هناك، سرقتها الخشبة بعد غياب، باتت الأيام متشابهة ليس فيها سوى التمثيل مع أستاذها حسين ناصر، حتى غدت بطلة لمسرحية “نساء ورجال” المأخوذة عن نص مسرحية “فوضى” للفنان عبد المنعم عمايري، فحصدت جائزة أفضل ممثلة بمهرجان الشباب المركزي في سوريا 2012، عندها قرَّرَتْ أن تتمرد على الظروف المريحة التي لا يرفضها أي طالب جامعي، وودّعت أسرتها قاصدةً أبواب المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق التي لا تعرف عنها أي شيء، ومع شرارة الحرب الأولى كانت ضيفتنا قد رسمت أول خطوة في الطريق عبر قبولها كطالبة في قسم التمثيل حتى تخرجت من المعهد، نسجت خيوط أدوارها بكل تأن واتقان حتى أبهرت المشاهد بما أنجزته في المسرح والسينما والتلفزيون، وفي كواليس مسرح القباني، حظينا بحديثنا معها، إنها الممثلة فرح الدبيات.

الدرس كان قاسياً!

داخل غرفة الممثلين بدأنا الحديث معها عن عرضها المسرحي “درس قاسي” مع المخرج الدكتور سمير عثمان الباش، لتخبرنا عن شخصيتها التي أدتها منذ أشهر في مدرسة الفن المسرحي بجرمانا واليوم على خشبة القباني فقالت: “عدة تقاطعات جمعتني بـ “إليسا” فأنا ممثلة أرى الحياة من زاوية مجاورة لزاويتها، وهي ممثلة مفعمة بالحب، اختارت أن تضحي بالنجومية مقابل أن ترافق رفيق قلبها الوحيد بتجربته الإنسانية في سبيل هدفٍ عالمي، فتجلس على كرسي الكهرباء كتلميذة وتدخل مع أستاذها المفترض في لعبة التشتت وعدم التركيز بحفظ ما يمليه على مسامعها من أشعار شكسبير وتقنعه بالظلم لما تتعرض له من ضربات كهربائية في كل مرة تخطئ فيها سواء عبر حركة الجسم أو رجفة الصوت أو الصراخ والترجي بإيقاف التجربة وصولاً إلى ضعف القلب ثم الموت. وبين لورا (توليب حمودة) التي أوقفت التجربة عند حد الثمانين “فولت” رغم أن درجات المستقبل التي انهارت والحب المخبّئ لصاحب البحث العلمي الدكتور ابراهيم (أوس وفائي) واستفزازات اليسا العاطفية اتجاهه أمامها، ويزن (كرم حنون) التي ترجته مراراً لإيقاف الألم بحجة أن قلبها مريض، لكنه خضع إلى سلطة مُدَرِّسِه في الجامعة ووصل إلى الحد الأعلى للعقاب عبر ضغطه لآخر زر من أزرار الشحنات الكهربائية والواصل لغاية ثلاثمة “فولت”، معلناً بذلك توقف نبضات القلب بكل ما أوتي من قسوة، رامياً نتيجة أفعاله على من أمره بالاستمرار، كانت إليسا تتقن دورها وتوهم بأدواتها من تَوَتُرِ حَرَكَةِ الجسم ورجفة الصوت وانطفاء العين بأنها مظلومة، وتوقعه في دوامة من الأسئلة حول الدافع الحقيقي لكل ذلك الألم وتمسح غشاوة القسوة عن عيون الإنسانية، هذه الكلمة التي نالت نصيب الشراكة بيني وبينها بعد سنوات من الحرب وآثارها ومن تلك النوافذ اخترت أن أعبر إلى كينونة الشخصية ورسمت ملامحها من شكل وحركة وتصرفات وأداءٍ تمثيلي”.

من طالبة إلى ممثلة في فريق وقائد

العودة إلى المسرح مع من أسسها في السنة الأولى الدكتور سمير عثمان الباش ولكن كممثلة في فريقه تشاركه الأفكار والنقاش أمر اعتبرته فرح مصدراً للثقة فقالت: “وَقَفْتُ أمامه طالبةً، أخذت من خبرته الأكاديمية التي قدمها لي ولزملائي في المعهد العالي للفنون المسرحية، واليوم أعود لأقف أمامه ممثلةً في فريق عمله، ومن النادر جداً أن تجدَ خبرة أكاديمية كالدكتور سمير تريد أن توصل لأعضاء فريقها  المعلومة وتريد أن تحافظ على احترام رأي الممثل، نقاشاتنا كفريق عمل هي السبب في تقديمي للشخصية على الخشبة بهذا النضج، تبنّي الإحساس كان العنوان العريض للأيام الأولى من “البروفات” التي انتهت بدمج واقعية الطرح والتفكير عبر رؤية المخرج الفنية والإنسانية لتكون الشخصيات قريبة من أطياف الجمهور المختلفة، مفاصل العرض كانت محاطة بمساحة من الأمان والمتعة خاصة وأنه قادنا كممثلين إلى أنماط أكثر حقيقة ومعرفة أعمق لخصائص الشخصيات خلال فترات التحضير وبعد كل عرض، اللقاء بعد سنوات من الغياب سمح لي أن أتأكد من رأيه عن قرب بما أنجزت في التلفزيون والسينما والمسرح من أعمال وخبرة، هو بالنسبة لي مصدر ثقة واحترام وعملنا اليوم أعطى لعلاقتنا طوراً جديداً بعيداً عن طالبة وأستاذها، قريباً من طرح ومناقشة الأفكار كفريق عمل”.

بين حميمية المكان ووسعة الفضاء المسرحي

خروج العرض من مدرسة الفن المسرحي بجرمانا إلى خشبة مسرح القباني كان له مساحة جديدة من التجربة لدى فرح وعن ذلك أخبرتنا بالقول: “أستطيع أن أصف لك الشعور الذي انتابنا بهذه النقلة كالخارج من منزله الحميم إلى قصره الواسع، المساحة الضيقة في مدرسة الفن المسرحي كانت توفر لنا حيزاً كبيراً من الأمان وضمان وصول الحالة بكل تفاصيلها إلى المتابع، علماً أن فرضية قرب الجمهور ووجوده كجزء من العرض كانت تسبب لنا نوعاً من الارتباك إذ أن العيون تحاصر كل التفاصيل، لكنها لاحقاً تحولت بالنسبة لي إلى متعة فأنظر في عيونهم واستنجد بهم واتواصل معهم كضحية تتعذب عن قرب على المستوى الإنساني، فكان تحدٍ حقيقي لكسر الارتباك ونجحت به، أما على خشبة القباني بات الحضور أكثر عدداً على امتداد مساحة واسعة أعطتني ثقة الممثل على الخشبة باستخدام أدواته كما يريد، وجميعنا كفريق نقلنا الإحساس الى ذلك المخبر الكبير على المسرح، مع انتباهنا إلى أي حدث غير متوقع سواء في الأداء أو في الأدوات المستخدمة بالعرض، وعن نفسي أعتبرها نقلة جميلة جداً”.

لمرة واحدة

برصيد فرح عدة تجارب تلفزيونية بدأتها مع المخرج حاتم علي في مسلسل “العرّاب”، ثم وحدن مع المخرج نجدت أنزور، لكن في الموسم الفائت أدت مع المخرج عامر فهد في مسلسل “عندما تشيخ الذئاب” شخصية كانت مفصلية في مشوارها الفنّي شأنها شأن العمل الذي يعتبر أيضاً مفصلياً بعد سنوات من غياب الجرعات السورية المركزة من الدراما وعن تلك التجربة قالت: “أوحت لي (فريال) بالتمرد خاصة وأنها موضوعة بظرف زمني كان معروفاً بقساوته وصعوبته وخطره الحقيقي على العالم العربي، أحسست أنها تعني لي بالقدر الذي أستطيع أن أعبر من خلالها عن شريحة واسعة من فتيات المجتمعات العربية، فهي حزينة وقوية تكره القيود والظلم بقدر ما هي جميلة الروح والمشاعر، معطيات الدور كانت واضحة بالنسبة لي وكل حماسي كان موجهاً لأحمل هموم الشخصية وأرميها أمام كاميرا المخرج والأساتذة الممثلين سلوم حداد، محمد حداقي، وسوسن أبو عفار”. ذروة الحدث في الورق المكتوب للشخصية تجلّى في مشهد اختارت فيه “فريال” أن تحترق بالماء المغلي بدل من أن تكون بضاعة تباع كزوجة لرجل لا تحبه ولا تعرفه، وعن ذلك المشهد وكواليسه قالت لنا: “عملنا على (بروفا) واحدة في المطبخ، مع تخيّلنا لآنية الطبخ وهي تغلي فكانت ناجحة، وبعدها وبسلاسة ومساعدة الجميع من فنانين وفنيين أديت المشهد لمرة وحيدة نجحت بأن تكون اللقطة التي تم عرضها، كانت كفيلة بوصول ردات الفعل إليّ من الجميع بأن الشخصية قد وصلت إلى بر الأمان، وأديتها بالشكل المطلوب”.

مع التيار ولكن بانتباه وحذر

خطواتها القليلة ذات الثبات الواضح دفعتنا إلى ختام حديثنا معها وسؤالها عن معاناة المواهب الشابة في المفاضلة بين الأدوار المقدّمة والطموح المرسوم وعن ذلك أجابت: “لدينا مشكلة حقيقية في إيجاد الورق الجيد، فالممثل بحاجة لأن يقرأ نصوصاً حقيقية قريبة من الواقع الذي يعيش فيه لا أن تكون مستوحاة من المجتمعات الغربية، يمكن له أن يعدل على ما يقرأ بما يخدم شخصيته لكنه في النهاية ليس الكاتب أو المنتج، الأمر الآخر المهم يكمن فيما سيقدمه العمل الفني لهذه الموهبة الشابة سواء مادياً أو معنوياً ولذلك فإن كثيراً من الأعمال التي عرضت علي اعتذرت عن المشاركة فيها لمجرد الشعور بأنها لن تمنحني أي شيء، وبنفس الوقت فإنني لا أجد فكرة الوقوف جانباً وانتظار ما أحلم به من أدوار أمراً جيداً بل لابد من العمل والخوض في التجارب الفنية على اختلاف ظروفها ولكن ببعض الانتباه، في المسرح لدي مشروعي الذي أنجزت به خطوة جديدة من خلال عرضنا هذا، وفي السينما التي أعتبرها مهمة جداً فإنني لعبت العديد من الأدوار التي عُرِضَت عليّ بتجارب صغيرة أو كبيرة، أما في التلفزيون الأمر مختلف نوعاً ما، حيث الطموح يرقى إلى العمل مع أسماء محددة ذات المستوى الفني العالِ ما يتطلب بذل الجهد في التدريب والاستعداد بل وتطوير الأدوات والموهبة وليس فقط الحلم بما سيضيف العمل معهم إلى رصيدي المهني ومسيرتي الفنية”، وختمت حوارها معنا قائلةً: ” لم تعد صناعة النجم المؤقت مفيدة في عصرنا هذا، هناك العديد من المواهب الجميلة لكنها تنتظر الفرصة المناسبة وواجب على صانعي الفن في سوريا أن يساهموا بإيجاد هذه المواهب ورفع المستوى الفني الحالي لأن تلك المواهب تستحق كل الدعم، على الجميع العمل لتحقيق مستوى فني جيد يليق بالفن السوري الحقيقي في التلفزيون والسينما والمسرح، وبرأيي فإن دعم المشاريع الصغيرة للخريجين والموهوبين فرض على كل من يمتلك طريق لإنتاج عمل فني عالي المستوى مادياً وفكرياً.