حين غُيّبت دمشق عن خارطة الدراما العربية!!

بقلم: أنس فرج

ليس المهم في أي شارع يقع بيت العائلة في مسلسل “الفصول الأربعة”، وفي أي حي يتواجد بيت ماكدة أو مكتب عادل. كما لم يسأل الجمهور إلى أي منطقة هربت ربى في مسلسل “أرواح عارية”، وفي أي شارع تفتلّ سامر البسطاط في “غزلان في غابة الذئاب” بسيارته الفخمة.

جميع ما يعني المشاهد مما سبق هو أن الأحداث جرت في دمشق بشوارعها وأحيائها، في منازلها التي بيعت كما في مسلسل “سكر وسط” أو تدمرت كما في “بعد السقوط”. لكن اليوم نحن أمام تغييب مدوي لدمشق عن المسلسلات الدرامية يترافق مع تغييب العاصمة الأقدم عن الأثر الإقليمي في مجالات الفنون، فمن المسبّب وإلى أين ستكون النهاية؟!

في موسم 2019 دخلت الكاميرات مجدداً أحياء العاصمة رغم أنها لم تغب خلال السنوات السابقة لكن الصورة النمطية التي ترسخت وربما اختصرت دمشق في ذهن الجمهور العربي هي مفردات البيت الدمشقي القديم وما يحيط بحرته من أحاديث نساء ومكائد وعلاقات ذكروية بين الرجل وزوجته وبناته، في حين عادت الملامح لتظهر في عملي “عندما تشيخ الذئاب” و “دقيقة صمت” لكن دون التشبع بذلك. فجاء “الذئاب” عملاً مضبوط التكاليف صورت غالبية مشاهده على أحد الأدراج التي تصنع حي مصغر في دمشق دون الإبحار في سينوغرافيا المكان أو صناعة حالة تماهي معه خاصة مع العجلة في التنفيذ وتزمين الأحداث في فترة التسعينات دون رسم واضح لذلك. أما “دقيقة صمت” فجاءت الكوادر الضيقة المعتمة لتحرم الجمهور من رؤية فضاءات دمشق بشكل أوسع مع إرجاء تاريخ الأحداث إلى ما قبل عام 2011، ما أثرّ على صناعة ألفة مع المكان ولو شكلّ منزل “أبوالعزم” فضاءاً مستقلاً لكنّه لم يخلق حالة التفاعل المطلوبة لاسيما مع الأداء المتفاوت للشخصيات في المكان نفسه.

إذا ما توجهنا إلى مسلسل ثالث كـ “مسافة أمان” نلاحظ التجزئة المكانية للحدث في عدة أماكن غير مترابطة. فمنزل الطبيبة “سلام” لا يشبه جغرافيا دمشق المكتظة كونه يقع في منطقة للطبقة الثرية جداً، والشارع الذي تسكنه كلاً من “سراب” و “نهاد” لم يعرض بلقطات عامة مع أنه ذي موقع استراتيجي في منطقة أبورمانة وسط العاصمة، كما لم يعرف موقع الحي الذي تسكنه عائلة “صبا” وأعيد إقحام المنزل الدمشقي مجدداً في الحكاية، فبدت جغرافيا المكان مشتتة تحاول الشخصيات الربط فيما بينها دون التشبع من روح العاصمة أو اكتظاظ شوارعها

لنعود للخلف قليلاً ونقارن بين شحوب العاصمة في مسلسل “الندم” والذي رغم حجم الكآبة الهائل فيه من النص إلى الصورة، لكنّ العمل نقل صورة واقعية عن رؤية قاطن دمشق لمدينته وحالته الوجدانية مع شوارعها وتبدل ملامح الناس فيها. تقاطع ذلك مع حالة الحي الذي صوّرت فيه مشاهد مسلسل “فوضى” فمع كل ما تعرّض له المسلسل من صعوبات انعكست كنتائج سلبية على التنفيذ لكنه استطاع الهبوط إلى الكاميرا في الشارع والاتكاء على المشاهد الخارجية في الطريق بشكل كبير.

هناك من حاول البحث بطريقة مختلفة عن المركزية الهامة لدمشق من خلال البحث عن موقع تصوير وسط المدينة وهنا كان الاختيار لمبنى مديرية الآثار في ساحة المرجة حيث انتقته رشا شربتجي لتصوير أحداث “شوق” ومحمد عبدالعزيز لعمليات مسلسل “ترجمان الأشواق”. والمنزل الذي سمح للمخرجين بأخذ لقطات جمالية مع إطلالة مباشرة للشرفة على ساحة المرجة منح الجمهور فرصة لوجدانية عالية مع العائلتين التي سكنتا المنزل سواءً الأم منى واصف في “شوق” والقديرة ثناء دبسي في “الترجمان”.

بالمقابل، ترسخ في ذهن الجمهور خلال السنوات الماضية المعالم السياحية لبيروت كمكان تصوير للأعمال المشتركة بشكل كبير حتى المخرجين أنفسهم أصيبوا بحالة تعب من البحث عن مواقع غير مستهلكة في التصوير، في حين غُيّبت دمشق عن حضور القصص الدرامية الملأى بالشغف والتي استطاعت في يوم ما من أسر الجمهور بتفاصيل بسيطة كرصيف شهد علاقة حب منصور ولوليا في “على حافة الهاوية”، أو سيارة بيك آب تقلّ جثة عبود في “الانتظار” على أنغام أغنية تعبر تماماً عن حال الدراما السورية اليوم “يا وابور قلي رايح على فين؟؟!”