سلاسل دهب “مقطوعة”

بقلم: جوان ملا

على عدة شاشات سورية وعربية كان لمسلسل “سلاسل دهب” في رمضان الماضي حصة الأسد كأكثر مسلسل “سوري” معروض على القنوات.


العمل الذي يجذب فئة كبيرة من القنوات العربية لشرائه كونه ينتمي لأعمال البيئة الشامية شارك في بطولته نخبة من أهم نجوم الدراما السورية مثل “بسام كوسا، كاريس بشار، شكران مرتجى، صباح جزائري” وأعاد النجمتين “ديمة بياعة ومها المصري” إلى الأعمال السورية بعد غياب طويل، كما منح فرصة الظهور للعديد من الممثلين والممثلات الشباب ليثبتوا وجودهم أكثر، فماذا قدم سلاسل دهب لجمهوره؟.


رغم الحدوتة المُسَلِّية ودخول العمل في إطار لا يخلو من الكوميديا إلا أن المسلسل الذي كتبه سيف رضا حامد وأخرجه إياد نحاس وقع في عدة مشاكل أولها الإطالة في عدد الحلقات، حيث انتهى الموسم الدرامي و كافة الأعمال ومر عيد الفطر وانتهى ولم ينتهِ العمل، وذلك بسبب تمديده إلى 38 حلقة، علماً أن النص مكوّن من 30 حلقة فقط، لكن لأسباب تجارية ربحية كانت هذه الحلقات الثمانية الإضافية التي أساءت للعمل وأطالت من حبكته وقصته التي لا تستحق أكثر من 15 حلقة، ما جعل العديد من المتابعين يعزفون عن رؤيته للنهاية بسبب الإطالة.

فضلاً عن ذلك فإن المسلسل استخفَّ في كثيرٍ من المَشاهِد بعقل المُشاهِدين، فالجميع يكتشف القصة بالصدفة، وعند لحظة خروج أحد من المنزل هارباً مثلاً، يكون الشخص الآخر النّدّ له ماراً بالصدفة بالحارة ليشاهده، فالكل يعرف مخططات الكل عن طريق المصادفة لا أكثر لتكون “الصدفة” منجاةً في النص للخروج من أي مأزق درامي وحبكة تقترب من التهلهل لكثرة تشابكها غير المبرر كالسلاسل فعلاً.

أما الحارة فكانت شبه خالية من الكومبارس، حيث غاب الاعتناء بالتفاصيل، وكأنه لا سكان ولا بياعين ولا محلات ولا شيء آخر، صحيحٌ أن القصة تدور حول شخصيات معينة لكن هذا لا يمنع من إضافة لمسات واقعية لتصديق الحكاية التي كانت لا تخلو من خيال مبالغٍ فيه ببعض الأحداث، ولعل أكثر ما كان مزعجاً في المسلسل هو الماكياج الذي لم يعطِ الفنانات أي رونق أو جمال، بل كان مبالغاً فيه بشكل مزعج جداً، حيث تبدو الفنانة وكأنها في حفلة عرس، فدائماً الشخصيات بمكياج كامل من وقت الاستيقاظ حتى النوم، وهكذا على مدار 38 حلقة، فكانت كمية البودرة والحُمرة والماسكرا بالإضافة لل “ڤينير” تشعّ في وجوهنا يومياً بشكل لا يتلاءم البتة مع عمل “شامي” ولا يمكن تقبّله!.

أما العائلات التي تلعب البطولة فكلهم لديهم “ولد واحد وحيد” أو “بنت وحيدة” أو “ولدان”، مع أن غالبية أهل الشام في تلك الحقبة كانوا ينجبون أطفالاً بعدد كبير لا يقل عن خمسة مثلاً ، لكن ربما لتخفيف عدد من الشخصيات التي لا فائدة منها تم إلغاء هذه الفكرة “الواقعية” وبقيت العائلات مكونة من فردين أو ثلاثة فقط!.


يعيب على بعض المشاهد أيضاً الإطالة بالكلام والنظرات وردّات الفعل الباردة، ما يجعل المُشاهِد مستَفَزّاً ويخاطب الشخصية من وراء شاشته بغضب ليقول لها “إحكي بقى!!” فلم يكن لهذه النظرات المطولة أو الكلام الذي يخرج من أفواه الشخصيات بعد معاناة طويلة أي مبرر منطقي ولا حتى تشويقي، كما وقع المسلسل في فخ الموسيقى التصويرية الكرتونية المقلدة من أحد مسلسلات “ديزني” دون ابتكار أو تجديد يلائم فحوى قصة المسلسل خصوصاً أن الشارة كانت مؤثرة فعلاً بصوت “نور عرقسوسي” وألحان “رضوان نصري” وبقيت طويلاً في الأذهان، إنما الموسيقى التصويرية لم تساعد في رفع سوية سلاسل الذهب تلك!.


رغم هذا لا يمكن نكران حضور الكبير “بسام كوسا” الذي سند العمل بوقاره وأدائه، وأيضاً النجمة “كاريس بشار” التي كعادتها تُبهِرُ في الانتقال من حالة إلى أخرى بكل براعة، فبين الضحك والبكاء هناك دقائق تُدهِشُنا فيها كاريس تقلب فيها حالتها بسرعة وهذا ليس جديداً على نجمة أداء مثلها، ولا غريب في أن تصبح “مشية ذهب” التي مشتها في المسلسل حديث السوشال ميديا لما فيها من خفة ظل، أيضاً كان لديمة بياعة حضور جذاب بعد غياب عن الشاشة بشخصيتها الساذجة “زكية” فكانت تلك السيدة البسيطة ذات التفكير السطحي، المغلوب على أمرها، وأدّت الشخصية بطريقة لطيفة محببة تؤكد لنا أن ديمة اسمٌ لم يمر يوماً مرور الكرام، فكانت خطوة “إياد نحاس” في إعادتها بهكذا دور ذكية وجريئة، ويُشكَر أيضاً على عودة القديرة “مها المصري” التي اشتاقت لها الشاشة.


أما النجوم الشباب “طارق عبدو، زينة بارافي، أنس طيارة، طيف ابراهيم، يارى قاسم، ريام كفارنة، رهف الرحبي، نورا العايق” قدموا إمكانياتهم وقدراتهم بشكل جيد يتناسب مع خبراتهم الفنية والأكاديمية، فشكلوا حالة جميلة في العمل بأدائهم اللطيف المتناغم ولعل أميزهم كان “طارق عبدو” كونه لعب دور شخصية أقرب إلى الشر بعيداً عن ملامحه الناعمة الهادئة، ليثبت أن الشكل اللطيف المحبب للناس من الممكن أن يقلبه الفنان المجتهد إلى شخصية أخرى ليقنع جمهوره به وهذا ما حدث فعلاً مع طارق ليشكل المسلسل حالة مختلفة عنده تقدمه للجمهور بطريقة جديدة تُحسَب له.


“سلاسل دهب” من إنتاج “غولدن لاين” عمل شامي استطاع الوصول إلى قلوب الكثير من الناس ونال صيتاً ذائعاً في الوسط الفني رغم أخطائه، وكان الأكثر انتشاراً كعمل سوري بحت على القنوات العربية ولنا الفخر في ذلك، لكن لا ضير في الاعتناء بالتفاصيل والقصة أكثر لتقديم عمل مميز بكافة عناصره للجمهور العربي، فمهما كانت سلاسل الذهب جميلة وبريقها واضح لا يمكن أن تكون باهرة في لمعانها إن كانت “مقطوعة” في أجزاء منها!