توليب حمودة.. درسٌ قاسٍ في أدوات الممثل

بقلم: حسين روماني

أعطت الممثلة توليب حمودة من جديد جرعة عالية في استخدام أدوات الممثل على المسرح، برهنت من خلالها على أن الموهبة المصقولة أكاديمياً تبدع في محيط فني مناسب، تجسدت بعرض مسرحي حمل عنوان “درس قاسي” أعده وأخرجه الدكتور سمير عثمان الباش في مدرسة الفن المسرحي، مستنداً على نصّ للكاتب الروسي “فالنتين كراسنوغوروف”.

جسدت توليب في العرض الذي أنتج بمنحة من “مؤسسة اتجاهات ثقافة مستقلة” و”معهد غوته” دور “لورا” الطالبة المتفوقة، المتحاملة على هموم وأوجاع الحياة للوصول إلى النهاية السعيدة، كما تتخيل أي فتاة تسند جرار مصاريف تحصيلها العلمي ببحصة العمل في سبيل الشهادة الجامعية، على عكس زميلها “يزن” (كرم حنون) المولود وفي فمه ملعقة من ذهب، الخاضع لرغبة والده في الانتقال بعد التخرج إلى دراسة إدارة الأعمال بأحد البلدان المجاورة. يخبرها على مقعد الانتظار في مخبر الكليّة، بأن الثروة لم تمنع قلبه من أن يدق نحوها وأن الزواج بينهم يمكن أن يتحقق، حديث هربت منه لورا وقطعه دخول أستاذ مادة علم النفس الدكتور “إبراهيم” (أوس وفائي) و”إليسا” (فرح الدبيات) التي يعرفها الدكتور بأنها مساعدته وتحمل شهادة في الماجستير في علم النفس الاجتماعي، لكن وجهها مألوف لـ “لورا” في مكان آخر.

هروب العرض من العلبة الإيطالية نحو كسر الجدار الرابع، جعلنا شهوداً على تجربة علمية تقضي خضوع “اليسا” مقابل مبلغ من المال للتعذيب على كرسي كهربائي، بغية اختبار استعداد الأفراد وقابليتهم للحفظ والتعلم بسرعة تحت ضغط الخوف من العقاب الجسدي، للوصول إلى نتائج علمية من هذه التجربة، عبر حفظ عشرة أسطر من مؤلفات شكسبير، ومع كل خطأ تزداد جرعة الكهرباء الداخلة إلى الجسم عشرة أضعاف حتى الوصول إلى ثلاثمئة فولت، لم تكن “لورا” على قائمة المدعوين لإجراء التجربة، لكن إصرارها على البقاء جعلها في اختبار لإنسانيتها، فلم تتحمل أن تستمر التجربة بعد الثمانين فولتاً، رغم أنها تمشي الخطوة الأخيرة نحو الحلم لكنها مشت تاركة وراءها مشاعرها المخبئة لأستاذها في الجامعة، حملت الندم والدمع وقررت ترك الجامعة كلها بعدما انهارت مكانة ذلك الإنسان بوحشيته، تقرر البقاء خفية في تجربة زميلها، فتختبئ وترى عبر شباك الغرفة المقفلة مدى انصياعه للأوامر حتى يصل بعنفه إلى خط النهاية بموت “اليسا” بعدما ترجته كثيراً أن يرحم قلبها المريض.

رغم أنها كانت نداً في الحب، لم تستطع “لورا” أن ترى نهاية “اليسا” بهذا الشكل، خرجت وهي منهارة بعد كل ما شاهدته، حاولت استعادتها من الموت كما فعلت في التجربة الأولى لكنها لم تستطع أن تفعل شيئاً هذه المرة، وربما التأخر في الظهور دفعها إلى الانهيار من هول الجريمة التي أمامها في ذروة أخذتنا إلى ذروة أشد ألماً، تفتح “لورا” عينيها” فتجد “اليسا” سليمة معافاة، لا كهرباء سرت في جسدها، إنما هي تمثيلية تغطي عما أراد الدكتور أن يثبته بسطوة الطاعة وأساليبها المغلفة بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية تحت ما يسمّى “الأوامر”، ومنعته من ذلك إدارة الجامعة، وليست “اليسا” سوى صديقة تأكدت بأن صديقها الدكتور في قلب آمن، في تلك اللحظة يجد الحب بين “لورا” و”إبراهيم” طريقه للاعتراف، لكنه يعود ليختبئ.

ثمانية أشهر من البروفات المركزة والبحث والإعداد كانت كفيلة لتظهر توليب بهذا الأداء، وصولها بالمزيج الرائع من التكنيك والإحساس نحو مستوى عال من المهارة الحرفية على المسرح، غاصت في أعماق “لورا” حتى اكتشفت معالمها وجسدتها في تلك الصورة، لا يستطيع المتابع أن يتجاهل دموعها، انفعالاتها المدروسة والموظفة بالتوقيت والمكان المناسب، حتى سقوطها على الأرض كالقلب يسقط من مكانه، سنوات أربع فاصلة بين تخرج توليب حمودة وعرضها المسرحي اليوم، ظهرت خلالهم على التلفزيون، بأدوار في مسلسلات “عناية مشددة”، “الغريب”، “صرخة روح”، “وحدن”، وأخيراً “أثر الفراشة” الذي عرض في الموسم الدرامي الماضي، ولها تجربة وحيدة على المسرح في مسرحية “اختطاف” للمخرج القدير أيمن زيدان، لكنً عرض اليوم جميع أدوات الممثل كانت حاضرة بأداء يحسب لتوليب بمثابة درسٍ قاسٍ لكل من يهوى التمثيل، يجبرنا على أن نؤمن بأن الجيل الجديد موجود ولا يقل أهمية عمن سبقه، يستطيع النمو في وسط فنّي صحّي بعوامل تناسب المادة الفنية المطروحة سواء مسرحية كانت أم تلفزيونية وسينمائية، قادر على الإبداع في مساحات كبيرة ضمن الفرص المناسبة لذلك.

تصوير: يوسف بدوي