الدراما السورية في حضرة الذئاب

بقلم: طارق العبد

توسم كثيرون خيراً في مشروع “عندما تشيخ الذئاب” فالنص المقتبس عن رواية الكاتب الفلسطيني جمال ناجي جرى إسقاطه على حالة محلية وببطولة جماعية ما يعيد  جزءاً من ألق الدراما السورية، ولكن الحصيلة النهائية عند العرض تكشف عن نقاط ضعف عديدة جعلت العمل مخيباً للآمال  في بعض الأحيان. 

انطلقت قبل عدة أشهر عمليات التصوير تحت إدارة المخرج عامر فهد وبنص قدّم له السيناريو والحوار حازم سليمان، فيما تكفلّت قناة “أبو ظبي” بالإنتاج تمهيداً للعرض على شاشتها.

وبالفعل، يذهب العمل في الشكل لإبراز صراع تيار الدين والعلمانية والأخذ بقشور كل منهما لصالح منافع وامتيازات متعددة، تفتح أبوابها لإغراءات المال والسلطة،    فيبدي رجل الدين (سلوم حداد) عدة أوجه  في حياته بين ماضيه وحاضره، وعلاقاته بمحيطه الديني أو الاجتماعي. ليكون الشيخ المزواج الممالئ للسلطة والساعي لتحقيق رغباته تحت راية الشريعة.

وكذلك يفعل جاره اليساري (عابد فهد) المتخبط في ماضيه الحزبي وعلاقاته السابقة  وأفكاره السياسية التي تتغير حالما يقع المال بين يديه، فيما يقف المحامي الشاب (أنس طيارة) بين مفترق طرق  يخجل من عمل أبيه  المتواضع (علي كريم) وتحاول والدته المريضة (سمر سامي) شحذه بالهمة العالية لمواجهة العالم بعيداً عن الحارة الضيقة التي تدور بها غالب أحداث المسلسل.

وفي موازاة حبكة النص والحوارات الذكية التي طبعت بعض الشخصيات مقابل حوارات مباشرة ومبسطة جداً، يقع العمل في جملة أخطاء اخراجية بدت غير متوقعة ولا مفهومة. فالنص الذي يعود إلى فترة التسعينات وتحديداً الغزو العراقي للكويت  لا يتقاطع  مع الصورة  لجهة الملابس والإكسسوارات والمناظر. صحيح أن المخرج  قد اعتمد درج حارة  صغيرة  بحيث تدور معظم القصص فيها كحل إخراجي يجنب  شرط المكان الملائم، ولكن المشاهد الداخلية  لم توحِ بتلك الحقبة ولا الملابس التي بدت في كثير من الأحيان أقرب للمرحلة الحالية من التسعينات.

مسألة أخرى لا تقل إشكالية تمثلت في قفز غير مبرر للأحداث وإهمال مشاهد بعينها،  فيقتل أحد أفراد الحارة (ايمن رضا) في نهاية حلقة لتفتح التالية على ما بعد وفاته بشكل سريع، ثم تهبط ثروة على جبران (عابد فهد) فيغدو ثرياً وينقل أسرته لمنزل فخم في نفس الحلقة.

مشاهد أخرى كان يمكن أن تشكل لقطات ذروة بين أفراد العمل بدت غائبة مثل ردات الفعل على اعتقال الجار اليساري، ثم إطلاق سراحه، فيما بات من المؤكد أن جزءاً من المشاهد قد اقتطع بفضل مقص الرقابة الذي مارسته “أبوظبي” لاسيما عند الحديث عن الغزو العراقي للكويت أو مشاهد الطقوس الصوفية في المسجد.

في المقابل لا يمكن التقليل أبداً من أداء غالبية أبطال العمل، وفي مقدمتهم “سلوم حداد” الذي أتقن دور الشيخ متعدد الأوجه، فيما تبرع “سمر سامي” في حواراتها مع نجلها وبأداء رفيع لشخصية الأم المضطربة نفسياً التي تعيش على أمجاد أسرتها،  وتحضر “هيا مرعشلي” بشخصية لافتة وردات فعل متقنة مع والدها “أيمن رضا”  دون إغفال الأثر الإيجابي لشخصية المتشدد والذي يرتقي به “محمد حداقي “، فيما تنبئ أحداث الرواية بدور محوري للمحامي الشاب إزاء صلته بالشيخ والتيارات الدينية قبل أن ينقلب عليهم.

في النتيجة وبعد عرض قرابة نصف العمل، لا يمكن وصفه بالسيء، ولكن جملة إشكاليات في الإخراج و بنية الحوار، أعاقت ارتقاءه وحبست جزءاً من حالة تشويق مرتقبة كان ينتظرها الجمهور.