الدراما السورية في عشق التاريخ

طارق العبد – دمشق

تفوق السوريون في صناعة الدراما التاريخية بحرفية فاقت نظرائهم في العالم العربي، لتخبو شعلة الإنتاج قليلاً مع اندلاع الحرب وخيارات المنتجين، قبل أن يعود أهل الكار لتقديم أعمالهم في هذا الموسم بالاعتماد على موروث قديم في صناعة هذا النوع من المسلسلات، ولكن أين هم فرسان اليوم من محاربي الأمس؟!

عرف صناع الدراما السورية كيف يقدمون مسلسلات تعتمد على حكايات التاريخ لتحويلها لمادة تلفزيونية، ترافق ذلك مع العمل على الإبهار البصري الذي دفع المخرجين إلى الصحاري أو الغابات والسهول في المناطق السورية، وصولاً لاكتشاف قصور المغرب العربي وإسبانيا أيام قررت شركة إنتاج البحث في ماضي العرب بالأندلس، فحذت حذوها شركات أخرى قبل أكثر من عقد. فيما نجح مهندس الديكور الأبرز في هذا المجال ناصر جليلي في محاكاة العمارة أيام الجاهلية في مسلسل “صدق وعده” وتوّجها في “عمر” المسلسل الأكثر بذخاً في الإنتاج.

ورغم المحاولات العديدة لتقديم أعمال تصوَر في الأردن أو تونس أو حتى رومانيا، فإن شيئاً لم يعلق في ذاكرة المشاهدين كثيراً. بكلام آخر، ثمّة كلمة سر في الدراما التاريخية ترفع من سقف العمل فيصبح أيقونة درامية تجمع سحر الحوار وجمال الصورة وإتقان اللغة العربية الفصحى مع منطقية الإكسسوارات والملابس والمناظر، فيما تتراجع قيمته ليمر مرور الكرام ولو كان العمل يضمّ نجوماً من كل حدب وصوب، ولو كانت التقنيات الرقمية والغرافيك يؤديان دور المناظر والديكورات الفخمة وأمثلة ذلك كثيرة في السنين الماضية.

ولعل الثيمة السابقة هي التي نبّهت عدة منتجين للاستعانة بخبرات السوريين ومواقعهم التاريخية لتصويرعدة أعمال تعود بالمشاهدين لفترات تاريخية متفرقة، فكان اختلاف تجربة “المهلب” العام الفائت و”الإمام” في العام الذي سبقه، حافزاً لفتح ابواب العصور القديمة وتحديداً سيرة اثنين من أئمة التصوف في العالم الاسلامي.

هكذا دارت كاميرا المخرج أحمد ابراهيم أحمد في ريفي دمشق واللاذقية لتصوير “مقامات العشق” عن نص محمد البطوش، والذي يستعيد سيرة  الشيخ “محي الدين ابن العربي” ويعيد أبطاله مصطفى الخاني ونسرين طافش لذكريات الانطلاقة الأولى في الدراما التاريخية، كما يقدم البطولة المطلقة للممثل الشاب لجين اسماعيل، ولتظفر قناة “أبوظبي” شريكة الانتاج في حق العرض الأول.

في المقابل يبحث النجم غسان مسعود في سيرة متصوف آخر هو “الحلاج”، عن مسلسل للمخرج علي علي، وسيناريو وحوار أحمد المغربي، ويشارك في البطولة: منى واصف، منذر رياحنة وخالد القيش، ورغم  استمرار عمليات التصوير تبدو عملية المخاطرة كبيرة في عرض المسلسل خلال الموسم الرمضاني.

وبنسخة تبدو أقرب للدراما التركية الأشهر “حريم السلطان” وبسرية مطلقة، جمع المخرج تامر إسحاق كبار نجوم الدراما السورية والمصرية في “الحرملك” للكاتب سليمان عبد العزيز. وكان لافتاً أن العمل الذي طال انتظاره وكثر الحديث عنه بعد تنقل النص والإخراج لأكثر من شخص، قد حطّ رحاله في شاشة “إم بي سي”، بتوقيت يعتبر من أوقات الذروة في رهان من المحطة السعودية على قدرة الصورة وفخامة الإنتاج  في  حصد نسب مشاهدة عالية. فيما باتت الأسئلة تًتداول قبل العرض عن سبب التصوير في مواقع ضمن لبنان والامارات لعمل يتناول دمشق نهاية الحقبة المملوكية وبداية العصر العثماني في المنطقة العربية.

ورغم الحديث عن كونه أحد أضخم الإنتاجات في مجال الدراما يبدو مصير “ممالك النار” مبهماً، فالعمل الذي يتم تنفيذه لصالح شبكة نتفلكس ويستعين بنجوم سوريين مثل: منى واصف، رشيد عساف، محمود نصر.  يقترب من الخروج من موسم هذا العام وإن ضمن عبر الجهة المنتجة  مصير العرض لاحقاً.

في المحصلة، ثمة جملة من الأعمال التاريخية في انتظار المشاهدين على المائدة الرمضانية، وسواء كانت سورية خالصة أم بأدوات سورية، فإنّ كم التشويق الذي أطلقه صنّاع هذه المسلسلات بات يدفع محبي القصص التاريخية للمتابعة بانتظار التقييم بعد العرض.