إذا أردنا أن نعرف ماذا في سوريا علينا مشاهدة:

جملةٌ شهيرة قالها “حسني البورظان”: “إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا علينا أن نعرف ماذا في البرازيل”.
كان “نهاد قلعي” رحمه الله والعديد من الممثلين المشاركين معه أول من خطَّ طريق الفن السوري ليعرّي الواقع ويكشف عيوبه، لذا يمكننا اليوم أن نقول على لسانهم: إذا أردنا أن نعرف كيف عصف الفساد في هذي البلاد البائسة فعلينا مشاهدة الدراما السورية.

يجول المواطن السوري منذ عقود بحثاً عن رزق حلال يصعب عند تحصيله أن يحيا به حياةً كريمة، وبعد انتهاءٍ شبهِ نهائي من الحرب حالياً، مازال همُّ السوريين الأول البحث عن أسلوب حياة يعيشون به بكبرياء مازال مفقوداً، لتبقى الكهرباء والماء والغاز والمازوت أحلاماً عند الكثيرين منهم.
هذا الأمر ليس بالجديد كلياً، فهو لم ينتج بعد حرب السبع سنوات، فدوامة البحث عن الموارد الحياتية كان موجوداً عند كل مواطن، وتكلمت الدراما السورية عنه بشكل حقيقي ذاكرةً أوجُه الفساد بكل معانيه ونستذكر منها:


الفساد السياسي: غزلان في غابة الذئاب بالخطوط الحُمر

النجم قصي خولي بطل مسلسل غزلان في غابة الذئاب

تُرفع القبعة لهذا العمل الذي تجاوز سقف المحظور وتكلم عن استغلال السلطة لضعف الناس وجوعهم وفقرهم لتستحوذ على كل شيء تاركةً لهم الفُتات إن بقي.
استطاع المسلسل أن ينسج حكايا وخيوطاً متشابكة لقضايا تدور في الخفاء ولا يراها المواطن العادي الذي يذهب لوظيفته صباحاً ويعود ليلاً وقد أنهكه التعب.
قصصٌ يعمّ فيها الجشع والطمع والعمه وحب السلطة، تناولها الكاتب بطريقته الخاصة ليُري البسطاء بعضاً مما يجري حولهم و يسوّد عيشتهم غير دارين كيف يتربص عدوّهم بهم.


الفساد الاجتماعي: دخلنا عناية مشددة ولم نخرج!

لقطة من مسلسل عناية مشددة

قد تكون دراما الحرب أخطر الأنواع كونها تدور في تفاصيل كثيرة دون أن تعرف لمن ستكون الكفة الراجحة في ميزان الاقتتال.
عناية مشددة لم يدخل في معترك الانتصار والهزيمة، بل استطاع أن يُري المشاهد كمية البشاعة التي يمارسها السوريون بين بعضهم بعيداً عن فساد السلطات والحكومات، ليتبين أن فئات كثيرة من المجتمع السوري تعاني ربما من عقَد نقص وأمراض نفسية متخبطة كثيرة تجعل منهم وحوشاً حين تحيط بهم النار بدلاً من أن تجمع بينهم.
فكان العمل الأقوى في تعرية السوريين أثناء حربهم واكتشاف فسادهم الاجتماعي من خلال توضيح رغبة العديد من الأفراد منهم في التسلط على الآخر، فَمن كان في القاع علا وطفا على السطح صاعداً على الجثث ودموع المقهورين.


الفساد الإداري: يوميات المدير العام كانت ملأى بمعاناتنا

النجم أيمن زيدان من مسلسل يوميات مدير عام

يوميات مدير عام العمل المكون من جزأين استطاع أن يقدم فكرة بأسلوب كوميدي لطيف، فدخل المسلسل في تفاصيل المشاكل الإدارية والفساد الذي ينخر في هذه المؤسسات والذي من شبه المستحيل إصلاحه، حيث اعتاد الجميع على الرشاوى والسرقة وتعطيل أمور المواطن بدلاً من تسهيلها فعرفنا مع أيمن زيدان مواطن الضعف التي تعشش في مؤسسات الدولة وربما أعطانا الخيط الأول لحلّها فهل من مجيب؟.


الفساد في كل شيء: مرايا ترصد الواقع عالمكشوف ببقعة ضوء

النجم أحمد الأحمد من مسلسل بقعة ضوء

لم يبقَ هناك موضوعٌ نخر فيه الفساد بكافة أنواعه إلا وتحدّث عنه القدير “ياسر العظمة” في سلسلته العظيمة “مرايا” التي قدمت للسوريين والعرب أيضاً مشاكلهم على الطاولة وعرّت الحكومات وحتى المواطنين أمام مراياهم ليعرفوا جيداً البؤس الذي ألمّ بهم.
لم تكن المشاكل المطروحة تمس بالسوريين فقط بل حتى العرب أيضاً الذي يعيش الكثير منهم حتى اليوم في فاقة وقلة حيلة.
كذلك فعلت سلسلة بقعة ضوء في أجزائها المتعددة، ورغم ضعف الأجزاء الأخيرة بقيت السلسلة رقماً صعباً في الدخول إلى لبّ الواقع السوري لتتكلم عن فساد السلطات، وهموم المواطن المعيشية.
أما “ع المكشوف” التجربة اليتيمة في اللوحات الكوميدية للفنان “رافي وهبي” فكان أيضاً عملاً يُحكى بأمره وتكلم بلسان حال السوريين عن نقص دفئهم أيام البرد، البحث عن راحة البال المفقودة والكهرباء التعيسة والمياة المقطوعة والبنزين المختفي، وغيرها من اللوحات التي نطقت الألم الذي شعر به الناس في هذا الوطن قبل الحرب.
ولا يمكن استذكار حلقة واحدة من هذه الأعمال إلا ونشاهد فيها حكايا مختلفة سواء عن الرشوة، الفقر، الفساد الإداري، الاجتماعي، البحث عن موارد الحياة وغيرها من الأمور التي رغم مرور كل هذه السنوات مازالت معضلةً بالنسبة لنا.

حقيقةً يكاد لا يخلو عملٌ سوري من ذكر القضايا التي يعم فيها الفساد، ولا يمر مسلسلٌ مرور الكرام، بل يسعى دائماً لطرح المعاناة التي يمر بها الناس بحسب زاويته الخاصة ورؤيته، لنجد أنفسنا بعد مشاهدة الأعمال تلك غارقين في قاع موحلة من المصائب العالقة بلا حل.
إذن لدينا المشكلة وأضأنا عليها، وتم ذكر النتائج السلبية المنبثقة عنها، فأين يكمن الحل برأيكم؟