حين غلبت جماهيرية المسلسل جودة النص!!

هناك أعمالٌ تبقى في الذاكرة، تخلق في قلوبنا حالةً من الحب والجمال والحنين والضحك حتى، خصوصاً إذا كانت هذه المسلسلات ذات نص قوي بمضمون متميز، لكن هناك أعمالٌ تنجح وتترك بصمة لدى الجمهور رغم أن نصوصها لم تحتوِ على ذاك الفحوى العميق الذي يترك رسالة واضحة أوبصمة عند الجمهور، فتكون غايتها مجرد عرض قصة قد تنجح بسبب عدة عوامل أخرى يكون النص آخرها!

ومن بين الأعمال السورية التي نجحت بشكل كبير لأسباب أخرى بعيداً عن النص:


يوميات جميل وهناء.. ألو جميل ألو هناء

تأليف: زياد الريس، إخراج: هشام شربتجي، محمد شيخ نجيب

المسلسل الكوميدي الذي يُعاد حتى اليوم على الفضائيات السورية والعربية ويحظى بمشاهدات واسعة على الشاشات لم يقدم رسالة واضحة أو هدفاً معيناً، بل مجرد قصة لزوجين مع خلافات عائلية مضحكة، حيث يسعى جميل لجعل زوجته هناء تغار عليه كونها واثقةً به إلى أبعد حد، فيضع الخطط مع صديقه الكاتب حتى يتحقق مطلبه في النهاية لنتابع في الجزء الثاني تصرفات شبيهة جداً بالجزء الأول كررها الكاتب في الجزء الثاني لكن بشكل أوسع.

العمل رغم نجاحه الكبير بجزأيه وقدرته على رسم الضحكة على وجوهنا في كل مشاهدة استطاع جذب شريحة واسعة من المتابعين بسبب تمتع ممثليه “أيمن زيدان، نورمان أسعد، سامية الجزائري، شكران مرتجى، أيمن رضا” بحسّ الكوميديا العالي دون مبالغة أو هزل أو تهريج فدخل العمل قلوب المتابعين رغم خلوّه من أي رسالة واضحة للجمهور.


أنت عمري

تأليف: زياد الريس، إخراج: هشام شربتجي

حقق مسلسل “أنت عمري” نجاحاً كبيراً وقت عرضه، وحتى اليوم يُعتبرُ عملٌ مطالبٌ بمتابعته محلياً وعربياً، لكن تكمن مشكلته بأنه قدم قصة منسوخةً عن جميل وهناء لكن بصيغة أخرى!.

كاتب المسلسل زياد الريس حاول إعادة تحقيق نجاح مسلسله جميل وهناء فنسخ قصة الغيرة نفسها لكن مع عائلة ثانية، لنشاهد “أيمن زيدان” الرجل المحظوظ الذي يربح مصادفةً الكثير من الجوائز  تحاول زوجته “روعة ياسين” أن تخلصه من النقود التي يربحها كي لا يتزوج عليها بسبب غيرتها الزائدة عليه، وخوفاً من أن يقلّد أخاه الذي تزوّج مرتين!

تفاصيل العمل الكوميدية نالت إعجاب الناس فضحكوا معها لكن لم يقدم “أنت عمري” تلك الكوميديا الهادفة ذات الرسالة الخلاقة التي توصِل للناس فكرةً مع الضحكة


كثير من الحب.. كثير من العنف (هارون)

تأليف: محمد أوسو، إخراج: فهد ميري

رغم تحقيقه لنجاح ملحوظ وتقديمه مشاهد مضحكة قد لا ينساها الجمهور، إلا أن مسلسل (هارون) لم ينجح في فكرة النص الذي قدّمه، فكان عشوائياً متخبطاً والقصة غير مدروسة أو منطقية، فاعتمد العمل بنجاحه على تصرفات “أوسو” المضحكة وأدائه الخفيف السريع، وتوبِع المسلسل نتيجة نجاح سابقَيه “بكرا أحلى” و”كسر الخواطر”، فاتكأ النص على نجاح قديم للكاتب لذلك اعتُبِرَ ناجحاً!


صبايا “خمس أجزاء”

تأليف: رنا الحريري، مازن طه، نور شيشكلي

إخراج: ناجي طعمي، فراس دهني، سيف الشيخ نجيب، محمود الدوايمة

خمسة أجزاء متتالية لمسلسل صبايا حققت متابعة كبيرة على الفضائيات العربية وحتى على اليوتيوب، واستطاع المسلسل في جزأيه الأولين أن يتناول هموم الصبايا ومشاكلهن بأسلوب لطيف وتعمّق في جزئه الثاني ليتناول مشاكل المواطن السوري بأسلوب كوميدي هادف، وما إن تتابعت الأجزاء وتغيرت شخصيات الصبايا الأساسية حتى بدأ المسلسل يُفَرَّغ من مضمونه، فكانت الأجزاء الثلاثة الأخيرة سيئة في طرح المشاكل التي قد يعاني منها الصبايا في ربيع عمرهن، فاعتمد المسلسل على الأزياء والديكور الفخم وأبطال المسلسل الجميلات بمكياجهنّ الملفت، وابتعدت الكاتبة عن التعمق في القضايا المحورية التي تمس البنات العربيات بطريقة كوميدية كما حدث في الجزأين الأولين، فخَفَت وهجُ العمل الذي بدأ بطريقة جديدة على الدراما السورية وانتهى غريباً عنها! لكنه حقق نسبة مشاهدات عالية لأن صباياه الفنانات جميلات فقط!


باب الحارة

تأليف:مروان قاووق، كمال مرة، سليمان عبد العزيز، عثمان جحى، إخراج: بسام الملا، مؤمن الملا، ناجي طعمي، عزام فوق العادة

تسعة أجزاء من هذا العمل والعاشر على الطريق، ومازال المسلسل يحظى حتى اليوم بمشاهدات عربية كبيرة وصلت إلى حد المطالبة به في كل موسم رمضاني، في حين لم يقدم نص العمل منذ جزئه الأول أي رسالة حقيقية وسامية عن دمشق وأهلها، بل صوّرها بطريقة سيئة، فلم تكن النسوة ماهرات سوى في “الثرثرة” وكان هم الرجال الأول محاربة المحتل الفرنسي الذي يدس بينهم الجواسيس وكأن القصة عبارة مافيا وعصابات!!.

لم يطرح العمل الحياة الدمشقية كما كانت، بل شوّهها وقدّم نوعاً من الفانتازيا غير المنطقية، كما أن تغيّر أبطال المسلسل والأخطاء التي وقع بها أعطى صورة هابطة عن الدراما السورية ككل لتتحول صناعتها من حرفة احترافية إلى “مهزلة”.

حقيقةً إن باب الحارة كغيره من بعض الأعمال الشامية التي ساهمت بتشويه الحياة الاجتماعية السورية عموماً والدمشقية خصوصاً، إلا أن الأعمال الأخرى رسمت قصة معينة وحبكة جيدة وصلت للذروة في أحداثها ثم انحلت عقدتها في النهاية بطريقة مقبولة نوعاً ما ضمن قصص جديدة مختلفة في أسلوب الطرح، على عكس باب الحارة الذي لم يعد يعرف للإغلاق مكاناً!!.

ذكرنا نبذةً عن بعض الأعمال التي حققت نجاحاً رغم عدم تقديم نصوصها لتلك القضايا الشائكة أو حتى البسيطة في الطرح، لنلحظ أنّ كثيراً من الأعمال تطغى فيها عوامل أخرى على ضعف النص، فيستطيع صنّاعها الدخول لقلوب المتابعين من بابٍ آخر موارب محاولين التحايل على سوء النص وتقديمه بأسلوب يغطّي على الحوار وحبكة القصة من خلال معايير ثانية تشتت انتباه المتلقين عن ما خَطَّهُ الكاتب.