حكايا النساء في الدراما السورية “الجزء الأول”

 

لا يخفى على الجميع أن للنساء عالمٌ واسع مليء بالأسرار و الحكايا التي لا تنتهي، فالمرأة كائن يحتوي على عدة شخوص في شخص واحد، وقصصها تغصّ بتفاصيل كثيرة تغلب تفاصيل الرجال، و تقريباً لم يخلُ مسلسلٌ سوري من قصص النساء وحكاياهنّ لكن هناك أعمالٌ ركزت بشكل أكبر على جنس حواء لتغوص أكثر في عمق تفكيرهنّ وتبحث علاقتهن مع آدم ضمن أسلوب درامي مشوّق فلسفي مثير أو سطحي باهت وتقليدي، وفي هذا المقال سنستعرض لكم أهم الأعمال التي عُنِيَت بحكايا النساء مستذكرين معاً كيف فُصّلت القصص

جلسات نسائية
نص: أمل حنا، إخراج: المثنى صبح

كما عودتنا أمل دوماً في نصوصها الهادئة الدافئة، استطاعت في جلسات نسائية كالعادة تحقيق معادلتها، فجاء النص صعباً ببساطته، ليحكي عن أربع نساء تختلف مشاكلهنّ ويحيينَها بصعوبة ويحاولنَ أن يجدنَ حلولاً لها، تطَرّقَ العمل لمشاكل الأنثى المباشرة مع الرجل، فشهدنا الرجل العاشق والآخر غير المبالي والثالث الملول وكيفية تعامل هؤلاء النساء لتكملة المسار يداً بيد مع رجالهنّ في محاولة للإنصات والرضوخ لمعادلة الحياة القائمة على تضافر قلوب الجنسين ونجح المسلسل بأسلوبه الهادئ أن يحقق هدفه في إيصال رسائل راقية تمتع المشاهد بصرياً و سمعياً حتى.


أشواك ناعمة
نص: رانيا بيطار، إخراج: رشا شربتجي

لعل مسلسل أشواك ناعمة هو الأشهر على الإطلاق في ذكر تفاصيل الفتيات بعمر المراهقة الأخطر والذي يشكّل نقلة نوعية للأنثى نفسياً وبيولوجياً، دخلت الكاتبة هذا العالم بجرأة و طرحت قضايا مهمة جداً لفتيات يتعلمنَ في مدرسة ثانوية، فانتقلنا معها بين عدة نفسيات، وسبرت الكاتبة أغوار البنات بعمق فحكت قصة المغتصبة وهي طفلة، وعاشقة معلمها، والمكبوتة، والمجتهدة، والحاقدة، والكئيبة، فجاء العمل متنوعاً بغزارة ولا يمل المشاهد من تكراره خصوصاً أنه تم طرحه بأسلوب كوميدي لطيف ومضحك فوصلت الرسالة بطريقة رائعة وملفتة ومازال العمل حتى اليوم يحصد نجاحات


بنات العيلة
نص: رانيا بيطار، إخراج: رشا شربتجي

في تعاونٍ ثانٍ بين الكاتبة رانيا والمخرجة رشا وبتفاصيل ناضجة أكثر، جلنا قصص سيدات من عائلة واحدة وعشنا معهنّ مشاكلهن وهمومهن، واستطاعت رانيا من جديد أن تثبت نفسها كقلم نسائي قوي قادر على حياكة قصص أنثوية بدقة، ربما لم تختلف شخصيات بنات العيلة النسائية كثيراً عن أشواك ناعمة لكنها بدت أنضج وبعيدة عن المراهقة حيث دخل البنات في صراعات عديدة و توضحت العلاقات المتشابكة بينهنّ وبين آدم فتابعنا مشكلة الزواج الثاني والمرأة الكارهة للرجال، وزواج الأديان المختلف، والحاقدة على كل مَن يحاول أن يفوقها ثراءً فجاء العمل متناغماً بأحداث سلسة ممتعة.


نساء من هذا الزمن
نص: بثينة عوض، إخراج: أحمد ابراهيم أحمد

جاء نص بثينة محاكياً لواقع المرأة بشكل مكشوف تماماً، لم توارب الكاتبة في حديثها عن هموم النساء، بل واجهتها مباشرةً بشكل صريح، مما جعل بعض المتلقين يتهمونها بالفجاجة والجرأة في الطرح، إلا أن العمل كان رغم جرأته قادراً على طرح مشاكل نسائية قائمة حقيقةً، كتأخر الزواج والرغبة الجنسية والمرأة الباحثة عن استقرار والأخرى التي تبتزّ زوجها من أجل المال، وقد حقق العمل نسبة متابعة جيدة رغم طرحه المباشر لقضايا النساء 


امرأة في الظل
نص: سمر يزبك و ديانا فارس، إخراج: أسامة شقير

المسلسل المكون من 7 حلقات فقط ربما لم يلقَ هذا الصيت الذائع إلا أنه تطرق لحالة جوهرية ومحورية عانى و مازال يعاني منها القانون السوري، ألا وهي قضية حضانة الطفل بعد الطلاق، حيث يتحدث العمل عن “ندى” مرأة مطلقة، تعاني الأمرّين من أجل الحفاظ على ابنها وتنشئته جيداً، مضحيةً بكل ما تملك من طاقات لإسعاده. وذلك بعد أن هجرها الأب خارجاً من البلاد وتزوج بأخرى.

وبعد هذا التعب تنتهي مدة الحضانة ويبلغ الطفل والتي كانت قبلاً في قانون الأحوال الشخصية السوري “7 أعوام للذكر و 9 أعوام للأنثى”، فيطالب الأب بابنه كي يأخذه معه. وطبعاً هذا ما يحصل فالقانون لم يكن يعترف بتعب الأم وعنائها في الحفاظ على أولادها، بل يسمح للأب أن يسافر بابنه دون إذن حتى عكس الأم التي تحتاج لإذن سفر مع أولادها حتى وإن لم تكن مطلقة. هذا الموضوع الشائك طرحه العمل بسباعية لا يمكن نسيانها خصوصاً أنه في وقت عرض المسلسل كانت هناك أصوات سورية حقوقية تطالب برفع سن الحضانة للمرأة، وقد حدث هذا فعلاً. فتم تعديل مادة قانون الأحوال الشخصية التي تنص على عمر الحضانة ورُفع سن الحضانة إلى ” 13 عاماً للذكر و 15 عاما للأنثى”، لكن المشكلة إلى الآن لم تُحَلّ ومازالت قائمة.


قلم حمرة

نص: يم مشهدي، إخراج: حاتم علي

عمل يم مشهدي الفريد من نوعه خاض في تفاصيل حياتية غزيرة جداً، حيث استطاعت يم بتركيبة قلمها العجيب أن تبني تشعبات كاملة لقصص كثيرة بشكل فلسفي عميق جداً، فطرحت مشكلة الحرب في سوريا والاعتقال، والسفر، والحب والعمل، إلا أن مشهدي ركزت في العمل على الشخصيات النسائية ومعاناتها ضمن الواقع الذكوري، فشهدنا قصة الكاتبة التي لا تعرف ماذا تريد، والمرأة المطلقة التي تعاني مع أولادها، والزوجة الباحثة عن حب واهتمام بدأ يزول، وقد سبق لمشهدي في مسلسلاتها أن طرحت قضايا نسائية قوية وجريئة بالتوازي مع قضايا الرجل إلا أن المختلف في “قلم حمرة” أن بطلات العمل هنّ نساء وخاض في تفاصيلهنّ الدقيقة بفلسفة سهلة صعبة فجاء المسلسل كالسهل الممتنع الذي لا يستطيع أحدٌ تقليده، والذي يمتِعك رغم كمية السرد الكبيرة الموجودة فيه.


البيوت أسرار
قصة: فاضل السباعي عن رواية “ثم أزهر الحزن”، نص: رانيا بيطار، إخراج: علاء الدين كوكش

ليست المرأة وحدها قادرة على كتابة همومها ومشاكلها، فرواية “ثم أزهر الحزن” للروائي السوري فاضل السباعي تدور أحداثها حول عائلة مكونة من أم و بناتها الأربع ومعاناتهن ضمن عادات وتقاليد بالية وظروف مادية سيئة بعد وفاة الأب، حيث تعمل الأم كثيراً من أجل إعالة بناتها وابنها الصغير ،وتتدهور أحوال العائلة حين تموت البنت الكبرى مما يحمّل الأم دمعاً فوق دمعها، الرواية المختلطة بالألم تنتهي بفرحة ليزهر الحزن أملاً بعد المرار، وقد استطاع النص أن يبيّن وضع المجتمع الحلبي والمرأة السورية الباحثة عن أمان عائلتها في واقع صعب ليثبت أنها قادرة على الإحاطة بعائلتها والاعتناء بها حتى في غياب الرجل، فالمرأة حين تتكالب عليها الأقدار تقف في وجه الرياح وتخرِج من قلبها رجولةً تفوق تلك التي يمتلكها الرجال أنفسهم في كثير من الأحيان

 

#جوان_ملا

 

انتظرونا في الجزء الثاني من المقال