ناصيف زيتون: سوري في قلب بيروت

ليس بالغريب أن تقدّر كم الجمال في الصوت السوري، وأن تجد في كل منزل سوري من أقصى الشرق في الفرات إلى الغرب في الساحل والجنوب في حوران والشمال في حلب، صوتاً يدندن خلال النهار موشحات وقدود وأغنيات الطقطوقة المرافقة لتفاصيل الحياة اليومية. مقابل هذا الغنى في الأصوات والتذوق الموسيقي العالي، تحزن حين تتذكر أن عدداً قليلاً جداً من الأصوات السورية المحترفة كسر حاجز المحلية ووصل إلى الوطن العربي والعالم.

 

غياب مؤلم لشركات الإنتاج وسوق التوزيع، وعدم توفر لحقوق الملكية. عاملان رئيسيان يقودان الأصوات السورية الشابة لطرق أبواب القنوات الكبرى في برامج الهواة للحصول على فرصة ظهور أمام الجمهور العربي، يقابل ذلك انتشار عشرات المطربين الشباب بين مطاعم وفنادق بيروت والخليج ومصر بحثاً عن الرزق وأملاً في دوران دولاب الحظ وملاقاة منتج يتبنى موهبتهم.

وسط هذا المشهد الضبابي من سنوات ومع الانتشار الهائل لوسائل الإعلام الذي أعطى فرصة كبيرة لكثير من الوجوه الشابة للانتشار وأوصلهم إلى مسارح كبرى، هناك نجم يسير بموازاة الآخرين فيتخطى أبناء جيله ويصل خلال عشر سنوات إلى صفوف الكبار.. إنه ناصيف زيتون.


بعد دراسة الترجمة ومعاناة في الوصول إلى بوابة المعهد العالي للموسيقى بدمشق والوقوف في كورال الفنان الكبير مارسيل خليفة، زار ناصيف لبنان أول مرة ليكون مشاركاً في برنامج ستار أكاديمي، ورغم مرور عدة مواسم قبل مشاركة ناصيف وتناقص فرص شهرة الخريجين من الأكاديمية الأشهر في برامج الهواة، إلا أن ناصيف تصرف على طبيعته أمام الكاميرا واستطاع بغنائه لألوان كثيرة من الموسيقى جذب أنظار الجمهور وملاحظة الاهتمام الكبير من قبل أساتذة الأكاديمية بناصيف الذي استطاع نيل اللقب في وضع سياسي حساس في المنطقة.

حمل ناصيف اللقب وعاد لسوريا واستقبله جمهور جديدة عرطوز حيث يقع منزل أهله حملاً على الأكتاف وبدأ حينها المرحلة الأصعب “ماذا بعد الشهرة”. عانى ابن ريف حوران، المنطقة الريفية في الجنوب السوري من صعوبات الانتشار في سوريا. وإذ تتبنى برامج الهواة الأوائل من كل موسم بدأ ناصيف شق الطريق الوعر بعقد إدارة أعمال من قبل البرنامج كأول خريج يحظى بهذا العقد في ظل تجارب فاشلة لكثير من الخريجين الذين سبقوه.


خمس سنوات فصلت بين ستار أكاديمي وانطلاقة ناصيف الفعلية كانت كافية لتتخمر الموهبة، وأن ينطلق زيتون بألبومه الأول “يا صمت”. الألبوم الذي انتشرت أغنياته على دفعات ما زال علامة فارقة في حياة ناصيف كنجم لم يغنِّ أغنية وفشلت، بل ما زالت أغنيات هذا الألبوم رغم مرور خمس سنوات على إنتاجها تحظى بجماهيرية عالية وتفاعل كثيف في كافة المسارح التي يعتليها ناصيف.

دخل ناصيف بعدها ساحة الإنتاج من بابها الواسع، نجماً لشركة MUSIC IS MY LIFE. وما كان في الأمس ليس كما اليوم، حقوق ملكية قوية وتبني لنجومية ناصيف، ظهور إعلامي مدروس وانتشار أكبر من حدود المنطقة العربية. ليقدم ناصيف ثاني ألبوماته عام 2016 “طول اليوم” وهنا كانت المفاجأة. حيث تعطلت خوارزمية تطبيق “أنغامي” المكتبة الموسيقية الأشهر للأغنيات في العالم العربي، وذلك بعد احتلال ثلاث أغنيات من ألبوم ناصيف الأغنيات الأكثر استماعاً على التطبيق، في ظاهرة هي الأول من نوعها منذ إطلاق التطبيق.


خطف ناصيف ثلاثة جوائز عام 2013 كان أبرزها جائزة نجم الجيل الجديد ولم تمض ثلاث سنوات حتى حقق اسم الجائزة فعلاً، فمن كان يتوقع أن يصل ناصيف بهذه السرعة إلى صفوف النجوم الأوائل وأن يقف في صيف 2017 على مسرح قرطاج ويجاور في صيف هذا العام وائل كفوري واليسا ونانسي عجرم في مسرح أعياد بيروت، حيث كان فريق ETSYRIA والتقى ناصيف عن قرب.

ناصيف القادم من قلعة دمشق قبل يومين حيث كرر تجربة الوقوف على الخشبة التي اعتلاها أول انطلاقته لكن هذه المرة كنجم عربي يحيي حفلاً بشكل يومي منذ 22 الشهر الفائت وحتى اليوم، يومياً يلاقي ناصيف جمهوره من أوروبا، ثم سبع حفلات في تونس، ليالي قلعة دمشق، الفحيص في الأردن ، وصولاً لأعياد بيروت وقريباً اسطنبول للمرة الأولى.

وفي بيروت صعد ناصيف بلكنته السورية، وأمامه أربعة آلاف شخص يرددون أغنياته بكلماتها الشامية، في بلد يعيش فيه سوريين عمالاً، نازحين ولاجئين تحت رعب “العنصرية”. هنا السوري يغني ملء فمه، يختم برائعة إيلي شويري “بكتب اسمك يا بلادي” التي غناها دريد لحام يوماً ما على مسرح في الإمارات حين منعت السلطات السورية من عرض مسرحية كاسك يا وطن في دمشق. ناصيف الذي ألهب بحر بيروت في ليلة صيفية غنى للحب، لوالده الراحل منذ فترة قريبة، للورد ولكثير كثير من قلوب الشباب الذين ينظرون لناصيف كأيقونة في حياتهم وليس كفنان يستمعون إليه فحسب.


حين تلغي الموسيقى الحدود وتتخطى الاعتبارات، يتحول الحشد إلى جمهور واحد لا فرق فيه بين لبناني يشاهد ناصيف السوري، أو سوري يتابع ناصيف ابن بلاده على أكبر مسارح بيروت. هكذا ترسم الهيبة أبعادها وتغدو خطوات ناصيف على الخشبة بكل ما قدمه من فرح وجنون وشغب، علامة جديدة على نجاحه. فليس هناك مجبور على حب ناصيف، طالما أغنياته تتردد “طول اليوم”، فناصيف حين غنى للوسوف أطرب، وحين غنى عن العشق منح الهوى طعماً جديداً، وحتى حين غنى عن الهجر كسر القلوب، فكيف إذاً حين غنى شارة في الدراما، صوته اخترق القلوب حتى القاع. ناصيف زيتون “مجموعة تجارب” في إنسان واحد وسوري ناجح من قلب بيروت إلى العالم.