“وحدن” مسلسلٌ كان “وَحْدُه”

مسلسل “وحدن” و رغم عرضه على قناة سما السورية فقط عند الخامسة عصراً في توقيت لا يُعتبَر ذروةً، شكّل حالة غريبة وملفتة لدى متابعيه، وخلق جدلاً في ما إذا كان ما قدمه ناجحاً أم هو مجرد هلوسات!!

نادراً ما يدخل كتّاب الدراما السورية في نمط الواقعية السحرية كما فعلت الكاتبة ديانا كمال الدين في هذا المسلسل، حيث دمجت الواقع مع الخيال في إطار حكايات مختلفة جميلة لا تخلو من المتعة في السرد، أبطالها نفسهم ساكنو الضيعة التي يختلط فيها المسلمون والمسيحيون.

 

هذي الضيعة لا اسم لها، لا يملك أهلوها أي وسيلة تكنولوجية متطورة رغم أن الأحداث تجري في الوقت الحاضر حسبما نشاهد، فكل ما يحتاجونه يجلبه لهم أبو جميل من الضِّيَع المجاورة وهو يركب حماره، مع أننا نرى في بعض المشاهد “سيارات”!!

كما نلحظ ببعض المشاهد الأخرى نساء الضيعة اللواتي بقينَ لوحدهن بعد غياب رجالهن واحداً تلو الآخر في ظروف غامضة متحررات الفكر تارةً ومتحجرات المعتقد تارةً أخرى، مما خلق تناقضاً بينهن، فلم نعرف لهؤلاء الناس هويةً واضحةً أو فكراً معيناً، خصوصاً أن الكاتبة لم تمنح الشخصيات مساحةً كافيةً للتنفس أو التعبير عن أنفسهم، مما قد يجعل المُشاهد يصل إلى الحلقة الأخيرة ولا يعرف عائلات هذه الضيعة الصغيرة ولا يدري مَن قريب من!!

تاه قلم الكاتبة في كثير من الأماكن فلم نجد لبعض الحكايات المسرودة من أهل الضيعة إسقاطاً واضحاً أو مفهوماً، رغم جمالية هذه القصص وطريقة أدائها والتي تتنوع بين الغامض والعاطفي والاجتماعي والرعب أحياناً، فظهر “وحدن” كمجموعة حكايات عشوائية متخبطة لا تخلو من المتعة لكن تخللها الكثير من الأغلاط ليس في سرد القصص ذاتها التي لا يُفهَمُ مغزى بعضها، إنما في تنفيذ العمل ككل، فالواضح تماماً أن الإنتاج لم يكن سخياً في منح العمل قيمته التي يستحقها، كما وقع التصوير في أخطاء خطيرة بحركات الكاميرا التي تهتز دونما سبب، فضلاً عن مشاكل كبيرة في الصوت الذي يتفاوت في المشهد الواحد نفسه، فتارةً نسمعه عالياً وأخرى مخنوقاً بمجرد تغير موقع الكاميرا من مكان إلى مكان.

أبدع نجدة أنزور مسبقاً في أعمال الفانتازيا وترك بصمةً واضحةً أيضاً في عالم الأعمال السحرية الرمزية مثل “المحروس” و”سقف العالم” لكن يبدو أن سياسة أنزور لا تتطور، فظلّ يعمل على هوية بصرية معينة وقديمة في حين أن العديد من المخرجين الجدد قد سبقوه في رؤاهم وطرق تصويرهم علماً أنه كان يوماً معلمهم، مما جعل مسلسل “وحدن” ذو رؤية بصرية قديمة تخلو من الإبهار الذي منحنا إياه قبلاً في “المحروس”، فكانت الصورة لا تتأقلم مع خليط جو السحر والغموض والواقع الذي عاشت به حكايات هذه الضيعة سواء التي تجري في الحاضر أو التي تُسرَد.

قيام الكاتبة ديانا بدور مساعدة المخرج لتظهر رؤيتها كما ترغب -حسبما صرحت لأحد المواقع الفنية- لم يسعف العمل كثيراً، فرغم السينوغرافيا المتميزة في العديد من المشاهد إلا أن العرض لم يكن متألقاً وساحراً كما هو المفروض لمثل هذا النوع من الأعمال، فغلبت الصورة الضعيفة على الديكور الجميل والذي لا شك أنه استهلك وقتاً وتعباً كبيرَين!!

الجميل في المسلسل أن نَجِدَ أنزور كما دوماً رفيقاً دائماً للفنانين الشباب الجدد، حيث منح الفرصة في هذا العمل للعديد من خريجي وخريجات المعهد العالي للفنون المسرحية ليطل بعضهم على الشاشة للمرة الأولى مثل “هبة زهرة، ياسر سلمون، علي عهد ابراهيم، مجد مشرف” وغيرهم، فرغم المساحة الصغيرة للشخصيات إلا أنه أعطى لهؤلاء الشباب فرصة الظهور ليتعرف الجمهور عليهم، ورغم وقوع العمل في عدة أخطاء إلا أنه شذّ عن الطريق النمطي من الأعمال الباقية لهذا الموسم فطرح فكرة جديدة بأسلوب مختلف لم يسبق أن شاهدناها منذ زمن وهذا ما ميّز المسلسل لهذا العام خصوصاً أن الكاتبة أنهت القصة بذكاء لنجد أن كل ما كان يُروى عن هذه الضيعة وحتى عن القصص التي حصلت فيها قديماً هو حكاية ترويها “أم عادل” والتي تقوم بدورها القديرة “نادين خوري” لخطيب ابنتها مصابِ الحرب الذي أصبح ضريراً مقطوعَ الكَفّ، فخرج نص الكاتبة مقنعاً بعض الشيء حيث تقبل الجمهور التناقضات في القصة الأصلية وكل الحوادث الغريبة التي جرت مع أهل هذه الضيعة التي ترمز لسوريا، لأن في القصص كل شيء جائز، ويتساوى فيها المنطق وعدم المنطق طالما أن الحكاية عالقة في بوابة الخيال، لكن هل تتساوى أيضاً جودة التنفيذ الفني مع عدم جودته؟ 


أخيراً نستطيع القول إن “وحدن” عمل جماعي لفنانين سوريين أمتعونا في أدائهم وقدرتهم المتميزة في سرد القصص وحبكها، وتناغمهم مع الديكور الغريب والإكسسوار الملفت لعصرٍ لا وجود له، لكن بقي “أنزور” وحده في طريقة التنفيذ القديمة نفسها ولم يواكب التقنيات العالية التي كان يجب عليه اتباعها حتى يخرج بعمل متميز يُحكى بأمره ويفرض نفسه بشكلٍ أقوى.