عشية الموسم.. حكايات تقفل على مضض وأخرى تنتظر حكم الجمهور 


بقلم أنس فرج – جوان ملا 

لا يدرك الجمهور من رمضان سوى المسلسلات بصيغتها النهائية، يتذكر نجمه المفضل، أو جملة مميزة رددها في مشهد ما. ولكن حتى نصل لهذه النتيجة، يستغرق العمل من صناعه عاماً كامل أو أكثر ربما. وعشية انطلاق موسم رمضان 2018 تطوى كثير من حكايات الإعداد في أروقة شركات الإنتاج وكواليس التصوير، وتتصدر الشاشة مسلسلات بصيغتها الجاهزة المعدّة للعرض في انتظار حكم الجمهور، الذي قد يصفع نجماً، ويصنع من متسلق ظاهرة!!

وفي التقرير التالي نحاول رصد أبرز الحكايات التي لا يعرفها الجمهور، حتى يدخل الموسم الرمضاني مع جرعة من الاستعداد النفسي المسبق لما سيراه، علها تكون مسافة أمان من الصدمة وروي لما يجب أن يروى قبل اندلاع حرب الراتينغ!


سوريا.. الغصّة تصل الدراما أيضاً

لا بدّ أن المأساة السورية شكلت هاجساً وكابوساً لا ينتهي لدى السوريين أولاً والعالم ثانياً. ومع تجاوز الحرب عامها السابع، ما زالت تحمل سوريا في طياتها محبون للفن يحاولون الدفاع عن تصورهم للدراما السورية في الداخل والخارج. وهذا ما يفسر بروز وجوهٌ جديدة لم نكن نعرفها مسبقاً، أثبتت نفسها في تجارب محلية وعربية كما مُنِحت لها الفرصة في أن تدخل على الساحة الفنية بشكل أقوى.

وبعيداً عن التباكي، فقد دفع تحول القنوات العربية عن شراء المسلسلات السورية، إلى الاستعانة بعناصر عربية لبيع العمل على المحطات اللبنانية أو الخليجية أو المصرية، وذلك بناءً على اسم الفنان العربي المشترك بالعمل، وليس على اسم نجوم سوريا وهذا ما يفسر الحصة اللبنانية التي بدأت تأكل من نطاق العمل السوري تدريجياً. 

في حين نشهد الضعف والركود في الحصة التسويقية للأعمال السورية عربياً، بعضها يعود لعدم شراء المحطات لأعمال سورية لا تتوافق مع أهوائها السياسية، كون الأعمال المنجزة داخل سوريا تحمل في غالبيتها العظمى وجهات نظر منحازة، وبعضها يعود لشركات الإنتاج نفسها التي تفتقر لآلية التسويق الجيدة، وإنتاجها بشكل مكثف لأعمال تخوض في تفاصيل الحرب السورية دون التفكير بالخروج عن هذه القصص أو جعلها محوراً للعمل بشكل ذكي غير مؤدلج.


انقسام لا يعرف نهاية!!

بين معارضة وموالاة انقسم الفنانون السوريون كما المجتمع السوري، فأصبحت اللقاءات بين المختلفين في الرأي السياسي نادرة حتى وصلت حد الانقطاع تماماً عن أي تواصل بين أصدقاء الأمس، إلا فيما ندر من بعض الأعمال التي لمت شمل السوريين فنياً بعيداً عن الخلافات مثل مسلسل “غداً نلتقي” “أوركيديا” و “العراب”.

هذا الانقسام فراغاً كبيراً على الشاشة وفجوة واضحة لا يمكن تلافيها، واختفت الأعمال السورية التي يلعب فيها فناناً مخالفاً بالرأي دور البطولة عن العرض على القنوات المحلية، وسط ما يعرف بالأعمال “المفلترة” والتي لا تتضمن أي فنان معارض للسلطة بالرأي أو تحذف مشاهده من العمل حتى لو اضطر الأمر لتغيير الشارة أحياناً.

في حين لا تستطيع شركات الإنتاج السورية خارج البلد تقديم عمل متوازن مستقل في توجهه، كونها تحصل في غالب الأحيان على تمويل من محطة كبرى تفرض أجندتها على العمل من الألف حتى الياء. 


التلفزيون السوري “يختنق”

من الواضح لأي مشاهد سوري أن القنوات المحلية تفتقد لعناصر الجذب، سواء في الصورة أو الغرافيك أو إعداد البرامج الفنية الداعمة للدراما السورية. حيث نلمح على الشاشة الدرامية السورية “اليتيمة” برامج رياضية وموسيقية وتغطيات إخبارية، مع افتقاد لعرض الأعمال الجديدة خارج الموسم الرمضاني، ما قد يشكل إذا حدث فرصة لاستقطاب الجمهور مجدداً نحو قنواته المحلية وعدم انتظاره عرض العمل على قناة عربية أو الانترنت ليتابعه بجودة أعلى وأسلوب تسويقي أرقى، فهو يدرك أن الإعلان على سبيل المثال لن يقفز من أسفل الشاشة كل مشهدين بشكل مستفز ومشوه لصورة المسلسل. بالمقابل ما زالت الإجراءات الروتينية وإحكام الخناق على منح تراخيص لوسائل إعلامية جديدة من قنوات خاصة أو غيره عائقا أمام توسيع رقعة عرض الدراما السورية. وحين تفاءل الجمهور مؤخراً بافتتاح قناة “لنا” خيراً، ما لبث أن اصطدم بعرضها لأعمال قديمة وإهمالها لإنتاجات هذا الموسم أو الذي قبله. 


إقصاء السوريين من كل شيء

إذا سألت مونتير يعمل خارج سوريا عن بيئة العمل في الدراما المشتركة، سيكون الجواب: بدأوا يعملون مثلنا. بعد أن تعلموا منا أسرار المهنة. وما يجري على المونتاج ينسحب على التصوير والمكساج وتقنيات الإخراج. فالعنصر السوري البارز في الأعمال العربية والمشتركة خلال السنوات الأخيرة بدأ يضمحل تدريجياً على حساب عناصر محلية لبنانية ومصرية وخليجية وأردنية تصدرت أعمال بلادها، فغدا العنصر السوري مساهماً بعد أن كان صانعاً. وهذا ليس بأنانية أو تعنت في الدفاع عن قوة العنصر السوري، حيث تعثرت الدراما السورية في صناعة قطاع إنتاج متماسك أو اتحاد يحفظ حقوق الفنانين والفنيين، بدل أن يصدر لوائح سوداء تشكك في وطنيتهم وتوصمهم بالعار عند كل مطب. 

وهكذا بدأ صراع جديد يطفو على السطح بين الفنان السوري ونفسه في أن ينتظر الفرصة التي تقدمه في الدراما السورية المستنزفة، أو أن يعمل حسب “السوق” فيقدّم نصاً نصف لبناني، أو قصة تقلب لكنتها للمصرية أو يخرج عملاً خليجياً بالكامل وقِس على هذا المنوال في كافة مجالات صناعة الدراما.


ثورة مصرية على الفن

وإذا ما قارنت الدراما السورية نفسها بالمصرية فإنها ستلطم، فرغم التخبطات والمشاكل السياسية في مصر من التشدد الديني وانتخابات رئاسية حتى الانقسام في الشارع المصري، لم تؤثر كل هذه المشاكل على المسلسلات المصرية بشكل كبير وإن اتجهت نحو تلميع السلطة والتغاضي عن أخطائها، إلا أن الطرح لم يكن فجاً بما يتعلق بالحدث المصري، وبقيت الأحداث من يناير حتى يونيو جزءاً من قصص الأعمال وليست الجوهر تماماً. على عكس الدراما السورية تماماً، حيث باتت معظم أعمالها مرتبطة بالحرب والدمار والقتل والاختطاف وتجارة الأعضاء والتسليح.

فبدت مصر ربما الأقل تدهوراً من الناحية الفنية، ولم تؤثر عليها السياسة وانقساماتها الحادة تأثيراً خطيراً، مما حافظ على قدر معين التوازن وسوية إنتاج عالية للعمل الدرامي مع تطور مستمر عام تلو الآخر، وقد لعب تعدد القنوات المصرية دوراً كبيراً في هذا كون المنابر الإعلامية كثيرة ومكثّفة مع وجود مدينة إنتاج إعلامي ضخمة، وهذا سبب كفيلٌ بحد ذاته في إبقاء الدراما المصرية في أوج نشاطها.


مهاترات وعقود تحت الطاولة 

حذار من الصدمة، حين تلمح مسلسل سوري أعيد إنتاجه لبنانياً بذات القصة التي شاهدتها سابقاً. كما لا داع للقلق حين انتهاء عرض أي مسلسل شامي تتابعه، فهنالك تتمة للسلسلة إذا أحببت. هي غرائب تفرض نفسها في الدراما السورية خرجت من حدود الذكاء إلى التذاكي ودون أي احترام من قبل عقلية المنتج لمشاعر الجمهور ووعيهم، فطالما المسلسل “بياع” والقنوات الدسمة ترضى بهذه الأعمال، فلم لا نقدم بدل العمل عشرة؟! ولماذا ينسخ كاتب واحد إن صحت تسميته كاتب نصاً واحداً لستة سبع أعمال في موسم واحد؟!

بذلك غابت الحرفة ودخلت فصلاً أكثر قتامة في حقل التنفيذ، فليس من المستغرب أن يجري الاتفاق مع ممثل شاب على دور في مسلسل ومن ثم الاتفاق مع ممثل آخر، دون إعطاء أي اعتبار لمن جرى الاتفاق معه أولاً، وهنا يعبر فريق ETSYRIA  عن الموقف السيئ الذي تعرضت له الممثلة الشابة توليب حمودة في مسلسل “وجوه الظل”، حيث سلب منها الدور بعد الاتفاق معها وإرسال النص دون أي اعتذار من قبل المخرج أو جهة الإنتاج عن ما حدث. موقف توليب ليس الأول فقد تكررت التجربة معها عدة مرات وعبرت للمنصة عن استيائها من عقلية تعامل المنتجين مع الممثلين الشاب ومفهوم “التسليع” لكل شيء في الدراما، حيث توسع المفهوم من تسليع الجسد إلى تسليع المهنة وعدم احترام قيمة الفنان فيها.


أعمال الساعات الأخيرة

مع قدوم كل موسم يبدو صناع الدراما السورية وكأنهم صدموا بقدوم رمضان، فيركضون لإنجاز أعمالهم. فإذا أنجز ثلاثة أرباع عمل في الموسم الفائت خلال رمضان، فلا تستغرب إن سلم آخر نص حلقة لمسلسل هذا الموسم قبل رمضان بأيام، أو دخول تصوير عمل كامل بنصوص أربعة حلقات فقط.

بل يضاف على ذلك دخول المخرج على خط التأليف وقلب اللكنة المصرية لبنانية، ومصرنة النص السوري إلى لهجة أهل النيل. وفوق ذلك، ستكون حصة التهليل الأكبر للأعمال المشتركة من ناحية الشارات والإعلانات وقنوات العرض.

وإذا ما كنت تراهن على عمل تاريخي يعيد جمع الأبطال السوريين معاً، فلا تتوقع نتيجة أكبر من “أوركيديا” قبل عام. إذا ما علمت أن عقود الممثلين استنزفت حتى الرمق الأخير، وكل ما يبدو للعين من بريق يخفي خلفه الكثير من الخبايا، فقرار المسلسلات التاريخية بات محكوماً سياسياً وساحة أخرى للتراشق بين الدول ولو على حساب الدراما السورية.


أمنية آخر السطر 

لا شكّ أن الحروب والكوارث التي عاشها ويعيشها الوطن العربي تؤثر بشكل أو بآخر على الفن بكافة أشكاله خصوصاً أن الدول العربية ليست ناضجة بعد في فكرة فصل الدين عن الدولة فكيف تفصل الفن عن السياسة؟ حيث تشمل المصالح كل شيء ويضيع الفن مع الواقع القاسي ليجد المشاهد العربي نفسه في حالة موتورة أكثر، فبدلاً من أن يستنشق متنفساً إبداعياً له، تضيع بوصلته و يتوه في دوامة “مع أو ضد”.
ورغم أن الفن أسلوب حياة،إلا أنه لا يُطعِمُ محتاجاً أو ينقذ يتيماً، لكن يكمن دوره المعنوي في كتابة التاريخ، وعكس مرآة واقعنا الحقيقي، وحتى يفعل ذلك يجب أن يتحلى بالحيادية والأخلاق، وسط كل الضغوط والمهاترات التي نعيشها. وعلى بوابة موسم درامي جديد ليس لدينا إلا الأمل في غد جديد نتحرر فيه على صعيد الإنسان والفن.. وكل عام وأنتم بخير