ثلاث شقراوات من ثلاثة أزمنة جميلة

أن تُطلق على زمنٍ ما صفة “جميل”، لا يعني أن تعود بذاكرتك إلى الخلف فحسب، بل يعني أن تنظر حيث أنت، تتلفّت من حولك هنا، في الحاضر، دون أن تقول: “كان ياما كان، في قديم الزمان” وأن تُدرك بأنّ الكنوز النفيسة موجودة في أي عصر، كما قالت السنديانة الدّمشقية “منى واصف” في لقاء حديث نسبيّاً مع الإعلامي “جميل ضاهر”, واستناداً إلى ما قالت، وبإلهام منها،  استعرضنا في مقال سابق “ثلاث سمراوات من ثلاثة أزمنة جميلة”، وبما أنّ الإبداع السّوري لا ينضُب سنستعرض في هذا المقال ثلاث شقراوات تشرق شمس الإبداع من عيونهن, ويشعُّ بريق الذّهب من لون شعرهن، جميلات، استثنائيات، ولا ينتهي بهنّ الزمن الجميل:
يمكنكم قراءة المقال السابق عبر الرّابط:

ثلاث سمراوات من ثلاثة أزمنة جميلة

الراحلة هالة شوكت:


هي العاشقة الجميلة، الأم الحنون، الممثّلة المهتمّة بالتفاصيل، بدأت حياتها الفنّية على خشبة المسرح السوري في منتصف الخمسينات، لتقوم سيّدة “العنب الحامض” باستقبال “الخجول في القصر” وشرب “كاسك يا وطن” بحضرته.

كان للإذاعة نصيب من صوتها الرّقيق حيث قدّمت العديد من الأعمال الإذاعية ونهضت بها إلى جانب أبناء جيلها من الفنانين. ذهبت إلى مصر فقابلت النجم العالمي عمر الشريف “بموعد مع المجهول” فتوالت الأعمال السينمائية لتعود وتقابل “اللّص الظّريف” “بلقاء في تدمر” وتترك لنفسها بصمة في عالم السينما.

في الدراما هي الزوجة الرزينة في “حمام الهنا”، والحماية المتذمّرة في “أبو البنات”، هي الأم الحنون في “الخوالي”، العمة جميلة الجميلة والمُحبّة للحياة في “الفصول الأربعة”، والسّيدة صاحبة النكتة في “مرايا”، والجدّة الحنون في “عشتار”. هي هالة شوكت الراحلة بجسدها والباقية بفنّها الاستثنائي وأدوارها الراسخة في عقول وقلوب الجماهير, فمشاهدها حتّى اليوم رائدة على مواقع التّواصل الاجتماعي إشارة بأن إبداعها لا يمكنه مغادرة الحياة.

نادين خوري:


زوجة الفن، في أحد الأيام جاء وتقدّم لخطبتها لتجد نفسها منساقة نحوه، منجذبة إليه، وغير قادرة على رفضه، فهو عريس كامل الأوصاف. تشير في كل لقاءاتها بأنها مقصّرة في حق الفن! رغم كل النجاحات السينمائية والدرامية الّتي قامت بتحقيقها، فهي لا تكتفي وتبحث عن الأفضل بعينيها الزرقاوين، وقلبها الأخضر الشّاب.
قدمت “حبيبتي يا حب التوت” لتستدرج الجمهور نحو “القلعة الخامسة” وتحييه في “قتل عن طريق التسلسل” لتُثبت نفسها بجدارة في عالم السينما.


في الدراما، وقفت أمام “المرايا” وألقت نظرة على نفسها “قبل الغروب”. جمعت الصغار والكبار في “شام شريف” وأخبرتهم حكايات الزمان و”الكان ياما كان” لتنثر صفاء الطّفولة في قلوبهم وتبعدهم قدر الإمكان عن “الأحقاد الخفيّة”، مصطحبة إيّاهم بنزهة “وراء الشمس” لئلّا يجدوا لأنفسهم مطرحاً على “منبر الموتى” فيبقون “على قيد الحياة”.
هذه لمحة سريعة من إبداعها المعهود، ورغم كل هذا تشعر بأنّها مقصّرة! فهل هو حس المسؤوليّة الّذي يصنع من الفنان حالة استثنائية يا ترى؟

سلافة معمار:

هي نجمة تلمع كالذّهب بين حجارة الفن، تخرّجت من المعهد العالي للفنون المسرحيّة بعد أن شاءت الأقدار بتركها لدراسة الأدب الإنجليزي، وتوجيه مسار حياتها نحو التّمثيل. موهبة صنعت نفسها على نار هادئة، غير مستعجلة، فغدت النجمة الشقراء الجميلة والفنانة صاحبة الانفعالات الاستثنائية.


جاءت من “عائلة خمس نجوم” قبل التخرّج، لتنهي دراستها وتدخل عالم الدراما بأدوار ليست بطولية لكنها صاحبة أثر، ومثالاً على ذلك كما ذكرت في أحد لقاءاتها دورها في مسلسل “حكاية خريف”، حيث كانت تعمل سائقة لأحد رجال الأعمال وتحدث تأثيراً على حياته، بالإضافة إلى العديد من الأدوار الّتي قدّمتها للجمهور، فعاشت “وردة التربة المالحة” “صراع الزمن” وانضمّت إلى صفوف العشّاق في “أهل الغرام” لتقف على أبواب “الانتظار” في “يوم ممطر آخر”.

ظلّ المشاهد يستمتع بأدائها حتى عام 2009, وما إن تم عرض مسلسل “زمن العار” لم يعد الأمر مقتصراً على الاستمتاع بل وصل إلى حد الدّهشة، فالمشاهد المقصوصة من هذا العمل على صفحات التّواصل الاجتماعي، وتعليقات المتابعين الّتي تشير إلى دهشتهم رغم مرور تسع سنوات شاهدة بأنّها ليست ممثّلة عاديّة، بل هي ابنة جيلها وتجسيد حقيقي لزمنها الجميل.
بعد زمن العار تتالت البطولات، وتتالت النجاحات ،فمن “الغفران” إلى “أرواح عارية”، ومن “قلم حمرة” إلى “وردة شاميّة” وغيرها الكثير.


في لقائها مع الإعلامي “باسل محرز” عبر برنامج “المختار” عام 2015, تم عرض تسجيل لمشهدها الشّهير من مسلسل “زمن العار” وما إن انتهى عرض التسجيل حتّى عبّرت عن مخاوفها قائلة “يا خوفي نصير نقول عن هداك الزمن زمن جميل، ولعلّ هذه المخاوف هي ما أبعدتها عن الدراما في العام الحالي، فوعيها الفنّي، وثقافتها تحتّمان عليها أن تدرس قراراتها وخطواتها الفنّية بذكاء, وهذا ليس بالأمر الغريب نسبة إلى تحليلاتها المنطقيّة في جميع اللّقاءات، لكن أتراها لا تعلم بأن الزمن الجميل يحضر حين تحضر! والإبداع يستسلم أمامها؟
سلافة معمار.. ذهب الدراما العتيق.. أرجوكِ لا تطيلي الغياب.

أخيراً.. وأسوة بالمقال السّابق، والمقال الّذي قرأتموه الآن، لا يمكننا إلاّ أن نسلّم بحقيقة أن الذّاكرة لا تجهد نفسها في لملمة لحظات الزمن الجميل لطالما لدينا سيّدات من بلدنا على هذا القدر من الإبداع.