ثلاث سمراوات من ثلاثة أزمنة جميلة

أن تُطلق على زمان ما صفة “جميل”، لا يعني أن تعود بذاكرتك إلى الخلف فحسب، بل يعني أن تنظر حيث أنت، تتلفّت من حولك هنا في الحاضر، دون أن تقول: “كان ياما كان..في قديم الزمان” وأن تُدرك بأنّ الكنوز النفيسة موجودة في أي عصر، كما قالت السنديانة الدّمشقية “منى واصف” في لقاء حديث نسبيّاً مع الإعلامي “جميل ضاهر”، واستناداً إلى ما قالت، وبإلهام منها، سنستعرض في هذا المقال ثلاث سمراوات من ثلاثة أزمنة أثبتن أنّهنّ مختلفا، جذّابات، جميلات، مبدعات، قادرات على إحداث أثر من خلال أدوارهن، ثلاثة كنوز يكاد لا يختلف أحد على نَفَاسَتِهِن:


“منى واصف”

السنديانة الدّمشقية، الحالمة، المتواضعة، القويّة، الرقيقة، ابنة حي العابد في دمشق، بائعة غزل البنات ،وعارضة الأزياء، ملكة المسرح، سيّدة السينما، وعرّابة الدراما.
نشأت وسط جو عائلي بسيط، متوتّر بسبب انفصال أبويها لكنّ هذا لم يمنعها من الحلم بأنّها ملكة عندما كانت تمسح الأرض تحت سريرها.
شاءت الأقدار أن لا يفصلها عن مسرح الحمراء سوى شارع واحد، فهل يا ترى أرسل القدر بإشاراته إليها لتدرك وبشكل مفاجئ أنّها ستصبح ممثّلة مسرحية في وقت ما؟ هل كانت تعلم “حرم سعادة الوزير” بأنّها ستنثر “العطر الأخضر” في “الأعماق”؟؟
طلب إليها الراحل “مصطفى العقاد” أثناء أدائها لشخصيّة “الأميرة سُعدة” في التلفزيون السّوري أن تلتقط صوراً لها ليضعها في ألبوم فيلم “الرسالة”، ثم أعاد النّظر في ذلك وهو يشير إلى صدره ليقول:
“ما بدي حط صورتك بالألبوم، بدي حطها هون” أي في قلبه.


الأم القويّة، الأم الحنون، السيّدة القاسية والظالمة، المتسلّطة، أدوار جسّدتها لعدة مرّات جعلت كل من يشاهدها في كل مرة يندهش إلى حد أكبر من المرة السّابقة، كيف لا وهي تشعر بأنّها مثل الوطن، وتكبر كما يكبر الوطن بأبنائه؟ وكيف للمشاهد أن لا يُصاب بالشيزوفرينيا عندما يعلم أن “أٌم المخرز” في ليالي الصّالحية هي ذاتها “أُم جابر” في الولادة من الخاصرة؟ وأنّ “أُم فوّاز” في “فسحة سماويّة” هي ذاتها “أُم جبل” في “الهيبة”؟ أو أنّ عاملة التنظيف “أم بدر” في “وراء الشمس” هي ذاتها الثّريّة المتسلّطة “قدرية خانم” في “الصندوق الأسود”؟؟ كيف؟!

سألها اللّبناني الرّاحل “حكمت وهبي” والإعلامية القديرة “فريدة الزمر”: “سيناريو حياة منى واصف هل جاء كما تمنّت؟ أم هناك مشاهد تريد حذفها؟”
لتُجيب: “لو حذفت أي مشهد مرّ في حياتي لما كنت كما أنا عليه الآن، لذا لستُ مستعدة أن أحذف أي شيء على الإطلاق”.
القارئة النّهمة، والسّباحة الماهرة، الطّالبة النجيبة في مدرسة الحياة، وأُم الجميع، ستظلّ مشعّة، تُعلّم السّيدات القوة، وتحلم بتجسيد “أنديرا غاندي” دون أن تسمح لأي أحد بأن يسرق هذا الحلم.


“كاريس بشار”

سمراء أُخرى، وكنز من زمن آخر، فمن فرقة الفنون الشعبيّة وخشبة المسرح الرّاقص، إلى الشّاشة في منتصف التسعينات.
“يوم بيوم” استطاعت أن تثبت أنّها نجمة من العيار الثّقيل فكتبت “مذكّرات العائلة” وأرسلتها مع “الطير” ثم نظرت إلى نفسها في “المرايا” واحتمت من “ثلوج الصّيف” بجلوسها على “مقعد في الحديقة”.
دخلت كاريس بشار الألفيّة الثالثة وازدادت نجاحاً ونجوميّةً وجمالاً، وتعاملت مع أهم المخرجين في الدراما السّوريّة، كما تصدّرت شارات المسلسلات في بطولات مطلقة، فشاركت مع المخرج “هشام شربتجي “الليث حجو” “المثنى صبح” “حاتم علي” “رامي حنّا” “باسل الخطيب”.
هي ليست الشّقراء صاحبة العينين الملوّنتين، لكنّ نظرة منها كفيلة بتحويل الأنظار إليها، وكفيلة أيضاً بشرح حالة إنسانيّة كاملة في أعمالها، فجسّدت دلع البنات في “بنات أكريكوز”، ولوعة الحب في “ليس سراباً”، ولهفة الأم في “سحابة صيف”، وهموم الحرب في “غداً نلتقي”.


هي غير مهتمّة بالظهور الإعلامي وهذا ما قالته في لقاء نادر مع مجلة زهرة الخليج حيث أكّدت بأن النجم كثيراً ما يضطر أن يجامل في اللقاءات الإعلاميّة وهذا ما لا تقدر على فعله، وأنّها في عمر السّتين ستخرج عن صمتها وتتكلّم عن تجربتها في الحياة.
لا تمتلك أي حسابات رسميّة على مواقع التّواصل الاجتماعي وهذا أمر تشترك به مع العملاقة منى واصف الّتي قالت بأنّها تفضّل قراءة كتاب على ذلك.

وبعد الحديث عن دليلة والزيبق “1976” ودليلة والزيبق “2011” ننتقل إلى سمراء جديدة من جيل جديد


“دانة مارديني”

تخرجّت من المعهد العالي للفنون المسرحيّة عام “2011” لتظهر بعد ذلك مباشرة في مسلسل “الولادة من الخاصرة” مع المخرجة “رشا شربتجي”، وما إن مَضَتْ حَلَقات عديدة على ظهورها حتّى جعلت المُشاهد يسأل من تكون؟؟ فأجابت على سؤاله عن طريق “أرواح عارية” و”سنعود بعد قليل” مع المخرج “اللّيث حجّو”، لكنّ المُشاهد لم تصله الإجابة وظلّ يسأل لتجيبه مجدّدا مع المخرج الكبير “حاتم علي” عبر “قلم حمرة” و “العرّاب” و”أهل الغرام”, إلى أن حقّقت نجاحاً مع “شوقي الماجري” في “حلاوة الروح”، ونقلة نوعيّة في حياتها الفنّيّة عبر “الندم” مع المخرج “اللّيث حجّو” مجدّداً، ليكفّ المشاهد عن طرح سؤاله مقتنعاً بأن الإجابات من غير المشترط أن تكون على شكل لقاءات إعلاميّة، بل عبر الطريقة الّتي جعلته يسأل سؤاله في بداية الأمر، أي عبر النّجاح وتأكيد الموهبة.


تمتلك حسابات رسميّة على مواقع التّواصل الاجتماعي لكنّها ليست نشيطة كغيرها، ثمّ أنّها بعيدة عن الأضواء ولم تُطلّ في أي لقاء تلفزيوني أو إذاعي حتّى هذه اللّحظة. وهذا أمر تشترك به مع كاريس بشار الّتي قابَلَتْها في مسلسل قلم حمرة ولعبت دور ابنتها في علاقة ندّيّة ما بين أم وابنة فرضت مشاهد ذات انفعالات عالية أكّدت أنّهما موهوبتان بحق.

أخيراً، وأسوةً بما قالته السّيّدة منى واصف، لا يوجد هناك زمن جميل، فالجمال يكمن في أن تجده حيث أنت، وتصنعه بمقاديرك الخاصّة، وخلطتك السّريّة.