أديب .. “خير” من أتقن معادلة الإنتاج

في هكذا يوم ونحن نخسر درامانا شيئاَ فشيئاً، نستذكر خساراتنا المتلاحقة، ونفتقد روحاً كانت الأبرز في وصول الدراما السورية لمكانة نتغنى بها اليوم. المنتج “أديب خير” الرجل الاقتصادي ذو الحس الفني من استطاع تحقيق المعادلة التسويقية بكامل شروطها الفنية. فكانت الدراما السورية محققة لشروط التسويق التي تطلبها المحطات والجمهور وشروط العمل الفني المتكامل الذي تفرضه المهنية الفنية.

“أديب” الذي دخل الإعلام كرئيس تحرير لصحيفة الاقتصادي ومالك شركة “سامة” للإنتاج الفني وأحد أهم المنتجين التنفيذيين لمجموعة MBC عُرف بعقليته التي أسست وخططت فسارت على طريق صحيح، فكانت الاعمال والمشاريع التي مازال بعضها مستمراً حتى اليوم. فالدراما التركية مازالت تقدّم بلهجة شامية إلى اليوم في المسلسلات المدبلجة التي تعرض على المحطات العربية. وهذا يعود إلى مشروع الدبلجة الذي أسسه أديب مع الفنانة لورا أبو أسعد حيث دافع عنه مراراً دون أن ينفي مردوده المالي تجارياً من حيث المساهمة في تمويل الانتاج السوري. وعلى الرغم من توقع العديد من النقاد سقوط هذا المشروع يوماً إلا أننا وبعد أكثر من عشرة أعوام مازلنا نشهد متابعة جماهيرية للمسلسلات التركية المدبلجة.

الرحلة الفنية كانت قد بدأت مسرحياً، فأسس مسرح “سامة” الذي قدم أربعة عروض مسرحية خلال عامين، إلى أن أطلق بعدها “شركة سامة” مع الفنان جمال سليمان والموسيقي طاهر مامللي. وبهذا بدأت رحلة الدراما من “ندى الأيام” في حكايات رقيقة مؤثرة قدّمها أديب بالتعاون مع ثلاثة من أهم المخرجين السوريين “هيثم حقي- حاتم علي- المثنى صبح”. تلا هذا العمل “فنجان الدم” و”أهل الغرام” المسلسل الجماهيري الذي تم إنتاج جزء ثالث منه مؤخراً ولكنه للأسف لم يحظَ بما حظي به الجزأين السابقين.

بعد الانفصال عن شريكيه انطلق أديب في إنتاج أحد أهم المسلسلات الكوميدية السورية وأنجحها ألا وهو”ضيعة ضايعة” بجزأيه فحظي المسلسل بمشاهدات عالية إلى الآن على يوتيوب كما عرضته العديد من المحطات التلفزيونية. أما الخطوة العربية فكانت عبر مسلسل “روبي” الذي جمع الفنان السوري “مكسيم خليل” واللبنانية “سيرين عبد النور” والمصري “أمير كرارة” في عمل حقق جماهيرية واسعة عربياً أيضاً رغم كل الانتقادات التي طالته من النقاد.

مسيرة قصيرة في الحياة وبعطاء كبير سيذكر طويلاً، رحل الاقتصادي الفنان عن 48 عاماً إثر ازمة قلبية مخلفاً حزناً كبيراً في قلوب أصدقائه ومحبيه.  كتب هيثم حقي عنه: “لم يحتمل قلبه كل هذا البعد عن الشام. في زمن الموت هذا، كم يعزّ عليّ أن لا أكون في وداعك!”. واليوم في ذكرى رحيله الخامسة وجه له الفنان مكسيم خليل رسالة مما جاء فيها:” نحنا ضايعين يا صديقي.. لهيك أنا مبسوطلك … لانك هنيك .. بالسما .. عرفان مكانك… عرفان حالك.. وكل هالحكي بس لقلك .. قديش اشتقتلك”

وها نحن الآن، نفتقد روحاً حققت المعادلة الصعبة ثم رحلت، فتركت أثراً نشهده ونتمنى وجود من يستلهم منه ويسير على خطاه لنعود فنرتقي ونصنع حالة جديدة للدراما التي نعلّق فشلها على شمّاعات الظروف.