كيف رَوَت الدراما السورية حكايا الفقر؟!

–  معتّرين بس مبسوطين

– أي هو نحن دائما منعزّي حالنا ومنقول عن المعتّرين إنه مبسوطين حتى نصرف مصارينا بضمير مرتاح!.

حوار بين شخصيّتين مسْرَحيّتين ردّدته في ذهني مراراً وتكراراً حتّى نهاية العرض إلى أن وجدتُ نفسي مُرغماً على استعراض هذه الظّاهرة البائسة في درامانا بل القضيّة البائسة في مجتمعاتنا.

وبهذا الصّدد سنطرح العديد من الأمثلة الّتي ناقشت ظاهرة الفقر من جوانب عديدة:


مسلسل “أيامنا الحلوة” 2002

 تأليف: حسن سامي يوسف، نجيب نصير

 إخراج: هشام شربتجي.

ناقش المسلسل الفقر وتأثيره على الجوانب الاجتماعيّة، سواء من ناحية العلم أو الزواج، وحتّى نوعيّة الطّعام! والأهم حال الأنثى طبعاً.

مجموعة من الشّخصيّات في حارة شعبيّة فقيرة، أحدهم صاحب “بسطة” شرائط كاسيت يستمع إلى عبد الحليم طيلة اليوم، وأخرى خادمة في بيوت الأغنياء. وهنا شاب يُتمّ دراسته فيغدو سيّدهم دون استئذان،  وينفش ريشه بكتب العلوم والرّياضيّات والأوساط الاجتماعية الّتي يقابلها، وفتاة تستغني عن أنوثتها لأنها الطّريقة الوحيدة الّتي ستحميها وتحمي أهلها في عائلة لم تنجب رجل.. فتصنع من نفسها رجُلاً.

وفي استعراض شخصيّة “صباح” التي أداها باسل خياط نجد أنّه يستغني عن حبّه في الحارة العتيقة طمعاً بالأموال الّتي تقطن خارجها فيترك حبيبته تبكيه على النوافذ، في حين تشتريه أُخرى بأموال والدها.


مسلسل “بكرا أحلى” 2005

 تأليف: محمد عمر أوسو

إخراج: محمد الشّيخ نجيب

حارة شعبيّة عشوائيّة، لا تقوى جدرانها على حمل لوحة معلّقة على مسمار. ابنة الخالة تتزوّج من ابن الخالة الذي لم تصادف غيره في الأصل. يتعلّم الشباب مهنة أو أي مصلحة تستمر معه بقية حياته، فحتّى أحلامه سيرميها جانباً ويستمر في مهنته أو ربما تناديه الحياة الأخرى ليقدّم تنازلات اجتماعيّة تجعله يشعر بلذّة النعيم لبعض من الوقت.

وفي استعراض شخصيّة “دلال” التي أدتها نسرين الحكيم نراها تحتمل سوء الحال، وزوجها الفقير السكّير وتعنيفه لها لفظيّاً وجسديّاً طيلة الوقت فقط لأنها لا تملك مكان آخر تذهب إليه. فلا أهل ولا صديقة، ولا أي أحد ترمي عليه أوجاعها إلى أن تموت جوعاً وقهراً بين الجدران البالية، ولا يدري بها أحد.


مسلسل “غزلان في غابة الذّئاب” 2005

تأليف: فؤاد حميرة

إخراج: رشا شربتجي

أناس بسطاء، يضحكون تارة، ويبكون تارة أخرى، نساؤهم يعملون في تقطيع الخضراوات، ورجالهم يغيّرون مهنتهم كلّ شهر!!

أحدهم يتّهم شقيقته بالجنون لأن صديقه الثري يعده بوظيفة محترمة إن قام بفعل ذلك، فتصبح الفتاة ضحيّة اغتصاب من قبل حارس مستشفى المجانين الّتي تنزل بها.

في استعراض شخصيّة “غيداء” التي أدتها ديمة بياعة الطّالبة المدرسيّة الّتي تُغرم بوالد صديقتها الّذي يكبرها بعقدَين على الأقل،  لينشب شجار بينهما نتيجة لذلك فتمزّق بدلتها المدرسيّة، فتبكي وتبكي ناسية أمر الخلاف والسبب الجوهري له،  لأنها لا تقوى على شراء بدلة أخرى غيرها.


مسلسل “الانتظار” 2006

تأليف: حسن سامي يوسف، نجيب نصير

إخراج: اللّيث حجو

حي عشوائي لا يحفظ الأسرار. الكل يعلم بمصيبة الآخر، ولا أحد يحمل سرّاً بينه وبين نفسه، والغرفة الواحدة تغصّ بالبشر! أحدهم يدّخر معاشه الشهري لأربعة عقود حتّى يتزوّج! وإحداهنّ تلجأ إلى الألوان الفاقعة ومستحضرات التّجميل المبهرجة لتلفت رجال الحي بأنها موجودة ومستعدة للزواج.

صراعات عدّة بين الالتزام بالمبادئ وعدمه، بين الأخلاق ومغريات الحياة، بين الحب والمقدرة على استمراريّته.

في استعراض شخصيّة ” الأستاذ وائل” التي أداها النجم بسّام كوسا، الصّحفي الّذي يُعد المرجعية لجميع سكّان الحي، يعيش صراعه بين مبادئه كصحفي وبين ضيق الحال وإرضاء زوجته الّتي تطلب منه منزل في حيّ آخر تستطيع أن تُنشئ جيل سليم من خلاله.


مسلسل “قاع المدينة” 2008

تأليف: محمد العاص

إخراج: سمير حسين

منطقة مخالفات وعشوائيّات، البيوت ملتصقة ببعضها البعض والفقر ينهش حجارتها الّتي ربّما تسقط على ساكنيها في أيّ لحظة. أيّام تشبه بعضها البعض وخيارات محدودة في الحياة، البعض يلجأ إلى السّرقة،  والبعض الآخر يحمد ربّه على أيّة حال.

في استعراض شخصيّة “رجاء” التي أدتها الفنانة “تاج حيدر” تُباع من قبل زوج أمّها إلى رجل ثري،  يغتصبها ويحرقها مقابل مبلغ مالي لتخوض غمار الحياة الصّعبة في حي لا يعرف الرحمة، وفقر لا يشفق على أحد.


الأمثلة كثيرة والقصص لا تنتهي، وإذا ما قمنا بتناول كل الحكايات الدراميّة في إطار الفقر نحتاج إلى مجلّدات.

بالفعل.. هم ليسوا “مبسوطين”، نحن من نريد أن نصرف أموالنا “بضمير مرتاح”