الفنان إذا تكلّم.. تحت “مجاهر” الوطن

تشترك جغرافيا العرب العامة بقدرتها على نسف تاريخك الخاص، وذلك نتيجة لكلمة أو موقف يمسّ خطاً قرر الرقيب فجأة ودون سابق إنذار أنه أحمر. ولعلّ الأمر يكونُ أكثرَ تعقيداً عندما تكون فناناً يمثلّ “وطنه” ورافعاً لشعاراته كلما أرادوا له ذلك. ومتى أرادوا أيضاً ستصبح مسيئاً لا يملك شرف تمثيل أطفاله حتى!
شيرين الحالة البارزة الآن هل فعلاً أساءت لبلدها عندما صرّحت بما يقوله الجميع “النيل ملوث”، أم أن ماكينات مصر الإعلامية والسوشال ميديا هي التي أساءت لتاريخ شيرين الفني، حيث استطاعت القنوات الفضائية التي تكثر في مصر وتندر في سوريا التأثير بشدة في الرأي العام المصري تجاه قضايا غير ذات أهمية نتيجة بساطة الجمهور المصري والذي يختلف عن الجمهور السوري برجوعه عن مواقفه تجاه فنانيه ويتعاطف مع تبريراتهم. على العكس من جمهورنا الذي لا ينسى خطأ الفنان ولا يقبل حتى اختلاف المواقف بينه وبين فنانه ولا تبريراته مهما كان معجباً به، ليصبح الفنان ملكاً خاصة لمعجبيه لا يستطيع التصريح بأي موقف حتى في جلساته الخاصة مخافة خسارته لعمله نهايةً. فالكلام يكثر عند أدنى كلمة يتفوه بها في الشأن العام والخاص جداً أحياناً حتى لو كانت عباراته -غير المنتقاة بعناية- مكررة دوماً في الشارع والجميع يقر بها.
وفي الحالتين السورية والمصرية لا ننكر أن الكثير من اللغط الذي يدور حول تصريحات بعض الفنانين يكون متعمداً ومدروساً، لكن التصريحات التي تثير بلبلة عامةً وتصبح قضية رأي عام غالباً ما تكون وسيلة لصرف نظر الرأي هذا عن قضايا حقيقية تمس أزمات حقيقية تعاني منها الشعوب. فلا يتعلق الأمر بكلام الفنان نفسه دائماً وإنّما يتم نقل الضوء المسلّط على أزمة قد تثير الرأي العام إلى أزمة فنان لا يدري ما الذي خُبئ له خلف كاميرا تصوره وتسجل له دون علمه.

وبذلك تطغى صفة الجمهور الفني على صفة الشعب وتُثار حمية وطنية مع موقف فني أو ضده. فيتجاذب الفنان قطبَي مغناطيس يتنقل بينهما، فهو مؤثر في الجمهور ومحرك للحدث متى أريد له ذلك برغبة من صناع القرار الاعلامي والشعبي ومتأثر برد فعل الشارع تجاهه.