هل ستخلد أغاني هذا الجيل 60 عاماً؟

 

بقلم الصحفي عبيدة فخر الدين

“عندي ليكي حتة ملحن يجنن، مصر هتغني ألحانه أكثر من 60 سنة قدام”، هكذا قدم المطرب والملحن محمد فوزي الملحن الشاب بليغ حمدي إلى السيدة أم كلثوم، عندما لحن لها أغنية “حب أيه” في 1960 والتي لا تزال خالدة في أذهان عشاق الموسيقا العربية.

وهنا صدقت نبوءة فوزي فمصر والعالم العربي لحد الآن يسلطن على أنغام بليغ حمدي الذي قدم ألحان أغنت مكتبة الموسيقا العربية، فكان رائداً في مدرسة السهل الممتنع. واسم بليغ بقي علم من أعلام الموسيقا في التلحين، ولكن ماذا عن الوقت الحالي؟ هل ستخلد أغاني القرن الواحد العشرين ملحناً عبقرياً أو شاعراً أو حتى مطرب، يبقى ذكراه خالداً في مخيلة الأجيال القادمة؟ إلا أن المعطيات التالية تؤكد أن الأغنية العربية في أسوأ أيامها.

تخمة في العرض:

لا يكاد يمر يوماً إلا ونشهد حالة مخاض ينتج عنها ولادة فنان جديد، الأمر الذي جعل الجمهور يبقى محتاراً ماذا يسمع ومن يسمع. وهو ما أدى بالفعل أنه مع ظهور أغنية جديدة ينسى الجمهور الأغنية السابقة. وهكذا دواليك، فتعيش الأغنية في الزمن الحالي مدة لا تتجاوز شهرين أو ثلاثة أشهر. وهذا أمر طبيعي نتيجة لتخمة في المعروض، فيصبح الجمهور بحالة ترقب دائم للأغاني الجديدة كل يوم فتمحى من ذاكرته الأغاني القديمة، وبالتالي تموت الأغنية وتصبح ضرباً من ضروب النسيان.

السرقة وعدم الابتكار:

لم يعد هناك ابتكار أو تميز، وأصبحت الألحان المسروقة هي سمة غالبة على جميع الألحان في العالم العربي. فيبدأ الملحن بالبحث عن أغاني تركية أو هندية أو أرمنية غير معروفة، فيسرقها وينسبها لنفسه، وعندما يكتشف الجمهور هذه السرقة، تنهز صورة المطرب والملحن ويفقدون الثقة بهم.

الشكل على حساب المضمون:

حيث برز الاهتمام بالعوامل الجانبية (الصورة) دون التركيز على البناء الأصلي للأغنية فغاب اللحن وغاب الصوت وغاب الكلام، وحضرت فقط الصورة، والفتيات “الموديل” والتركيز كله يصب على إنتاج فيديو كليب فيه الكثير من الإغراء المبتذل دون النظر إلى التركيب الفني للأغنية. وأصبح هذا الفنان الصاعد أو الفنانة التي لا تملك إلا جسد تعرضه، يعتمدون على الكليب لأنهم على يقين أنهم لا يملكون أي قيمة أخرى ممكن من عرضها بالأغنية، فالكلام مبتذل واللحن مسروق والصوت نشاذ.

وعلى سبيل المثال لا الحصر أغنية ميريام كلينك وجاد خليفة التي حملت كل المعاني المبتذلة والرخيصة في كل قوام الأغنية، واعتمد نجاحها على ميريام التي تظهر شبه عارية في الكليب بالإضافة إلى حركات إغراء مقززة.

سوء فهم الأغنية الشعبية:

أصبحت الأغنية الشعبية في العصر الحالي مضرب مثل بالصراخ والكلام القبيح واللحن الإيقاعي الذي لا هوية له، وهنا أعود بالذكر إلى بليغ حمدي الذي قدم سلسلة من ألحان أغاني شعبية لا تزال تردد لهذه اللحظة مثل (متى أشوفك_ عدوية- طاير ياهوا) بصوت الفنان الشعبي محمد رشدي.

أما الآن أصبحت “ركبني المرحيجة” وأغاني عائلة الديك وعمر سليمان الذي حقق شهرة كبيرة لا أعرف لماذا، هي الأساس الذي تبنى عليه الأغنية الشعبية!!

من الواضح أن الأغنية العربية تعيش أسوأ أيامها في الآونة الأخيرة، فالجميع يتأسف أن الغناء بات مهنة خالية من الإحساس أو حتى الإلمام في الموسيقا، وأكبر دليل تحوّل ممثلة شهيرة من الدراما إلى الغناء ورغم كل الانتقادات التي تعرضت لها إلا أنها مستمرة وقدمت أغنية ثانية لا تقل وضاعة عن الأولى، وما يزيد الطين بلة مشاهدة فنانة أخرى لمع اسمها في تقديم صوت مطربة عظيمة من الزمن الجميل، تطلق أغنية بعنوان “الكلب” فكيف لأغاني هذا الجيل أن تخلد 60 عاماً وهي ليست قادرة على الصمود أيام أو أشهر بأفضل الأحوال.