دراما الموسم: عقم في ولادة مشهد ناضج

 

 

 

مدير تحرير ETsyria – أنس فرج 

 

يبدو أن الحكاية تملُّ من نفسها إذا رويت بفتور، فكيف إذا قدّمت في مسلسل رمضاني يحمل ما يحمل من العناصر البصرية والجمالية دون أن تفلح في جذب المشاهد بطريقة تقديمها أو جمالية بناء أحداثها. وانطلاقاً من الحكاية نحو العمل الدرامي بالصيغة النهائية التي تبرز على الشاشة ينتج الموسم الرمضاني الحالي قرابة عشرين مسلسلاً فشلت غالبيتها القصوى في إقناع الجمهور بالنضج الدرامي المصاغ بين سطور الحكاية. وهنا نستعرض نماذج مختلفة من تعثر الدراما السورية في تحقيق النضج عبر ما قدم من أعمال تاريخية، بيئية أو اجتماعية:

فأوركيديا مثلاً تخلله البطء منذ الحلقات الأولى وجاء إيقاع المشاهد معاكساً للحرارة التي يجب أن تختزنها القصة من تشويق وإثارة. السكون طغا على المشهد العام ولولا حركة الممثلين بين الدخول والخروج لتحول المسلسل إلى عرضٍ مسرحي في مكان واحد بكوادر ثابتة للقطات.

 

قناديل العشاق تاه في طرح الحكاية برشاقة وبدل تقديمها على مرحلتين زمنيتين، اختير لها الفلاش باك كنموذج للسرد. وفي خلال الحلقات تبين تعثر الفلاش باك في التقاط بصر المشاهد فلم يقدم له جديد بل أعاد روي الحكاية ذاتها عدة مرات وفي تقاطعات زمنية مختلفة دون الإشارة للزمن بل عبر اختيار الأبيض والأسود كألوان للمشهد، ليقابل ذلك في الزمن الأساسي بفتور في تقديم الحدث الدرامي برشاقة ومحاولة صناعة ذروة بعد عشرين حلقة من المراوحة في المكان.


شوق بصيغته المعدلة حمل مونتاجاً أكثر هدوءاً ورزانة من حيث السعي لمحاولة خلق حالة جذب ولو بشكل متقطع بين الفينة والأخرى، وهنا يظهر جهد المخرجة رشا شربتجي في إعادة المونتاج بعد العرض المشفر بشكل كامل، وإن كانت حالة النضج متوقفة بعرض الحلقات الإضافية من المسلسل لكن المشاهد كانت متباينة من حيث الأداء منها ما حمل الرتابة ومنها الحشو فضلاً عن المشاهد المطروحة بغية إيصال فكرة نظرية في الحوار أكثر من صناعتها لعمق درامي مؤثر. أما الإطار العام فهو صورة بصرية مريحة تحمل بعض الكآبة تماشياً مع ضبابية الواقع ولكنها تحافظ على اتزانها وتخلق هوية بصرية جادة للعمل.


غرابيب سود من ناحيته صنع حالة تشويق محدودة متلاصقة بغرابة ما يطرح في المسلسل من قصص وتناسب الظلام والغرف الضيقة والديكور المنفر مع ملامح تنظيم الدولة وصورته الذهنية لدى الجمهور. لكن ذلك لم يتعدى أكثر من هامش زمني صغير سرعان ما اقتطعه تكاثف اللهجات واختلاف الحديث بين الفصحى والعامية ومشاهد القتل بشتى أشكاله. لتظهر الحلقة كمجمع ملوّث بصرياً مرهق ذهنياً ككاميرا دخلت منطقة للتنظيم جالت ضمنها بجنون وهربت لاهثة الأنفاس مرعوبة مما رأت.

الهيبة لم يخرج من إطار رؤية سامر البرقاوي المخرج التي تعود الجمهور عليها بل غدا منقسماً نحوها قبيل عرض أي مسلسل لسامر بين محبذ لهذا النوع من الدراما الهادئة وبين معارض لاجترار حكاية فيلم سينمائي أو حدث ما بمسلسل درامي عبر الإطالة في مشاهده زمنياً والإبحار بمشاهد ثانوية لا تقدم جديداً. فإذا انتقلنا للهيبة سيقابلنا حوارات قوية بين شخصيات تبنت أدوراها وعاشتها بتمعن وقلة من مشاهد الإثارة الحركية وإن اعتمدت في أكثرها على نهج الضرب وإطلاق الرصاص، ما يجعل الهيبة تشكل سلسلة من الأنماط الدرامية المختلفة والتي تصعد وتهبط بحسب إيقاع التصعيد في الحكاية والذي يبدو أنه متناوب بين شخصية وأخرى. لكن ذلك لا يقدم رسماً ممعناً للشخصيات من الداخل بقدر ما يستفز قدراتها اللحظية في المشهد فيصنع حالة تشويق قد تستمر لمشهد مشهدين ثم تتوقف بغتة.


ولغياب عرض أي عمل كوميدي متقن، يمكن عد الأعمال الكوميدية كما الشامية ذات الأجزاء المتسلسلة تراوح في ملعب التسويق بين الإضحاك تارة وإغراق النص بالقيم والأفكار المكرورة والمعروفة سلفاً. فلا مفاجآت تعقد على هكذا أعمال منذ بداية عرضها كون التجربة غدت مرّة ومهينة بنظر كثيرين.
قد يصلح تسمية ما سبق بعقم النصوص السورية المعروضة تلفزيونياً في خلق حالة نضج تمتع المشاهد وتذهب في فكره خارج الشاشة لتبني فكرة أو الإعجاب ببطل خارج حدود الشكل والحركات. وحيث يغيب العمق يكون التكاثر عبئاً ثقيلاً ربما ينتج مواسماً قادمة عنوانها تشابه النسخ وانعدام التطور.