هل استطاع شربتجي إدارة الأزمة؟!

 

متابعة من دمشق – جوان الملا

في ظل ضعف النصوص الكوميدية المقدمة في الدراما السورية وعدم تقديم أي جديد يذكر على مستوى الطرافة في الطرح والتي باتت شبه منقرضة، مما دفع الكتّاب و المنتجين لاجترار الماضي يإعادة روحه عن طريق تجديد مسلسلات قديمة ذات بصمة لا تُمحى في قلوب المشاهد كمسلسل “يوميات مدير عام” و “دنيا”. وذلك لإعادة البسمة الصافية غير المبتذلة لوجوه المتفرجين. وإذا هم نجحوا نوعاً ما لكن لم يمسّوا ذات الإحساس العفوي في الضحكة خصوصاً أن الضحكة النابعة من القلب صعبة الظهور في هذا الزمن الحالك، فلم نستطع أن نبستم مؤخراً إلا عندما “ضبّينا الشناتي” مع ممدوح حمادة و الليث حجو.
وبعد غيابٍ أطلّ المخرج “هشام شربتجي” شيخ كار المخرجين في الدراما وبالأخص الكوميديا، كيف لا وهو صاحب سلسلة النجوم التي سبق وضحكنا معها حتى النجوم؟ وهي حتى اليوم حاضرة في الذهن كشخوص ومازلنا نعيد حلقات هذه الأعمال دون ملل.
هوية الكوميديا “الشربتجية” كان لها عرّابها الذي يقودها بأمان ثم اختفى فجأة، لنجده في 2017 يدير “أزمة عائلية” كتبها “شادي كيوان” الكاتب الشاب الذي ما يزال في تجاربه الأولى، فما الذي دفع “شربتجي” لخوض المعركة الكوميدية هذه؟!
تبدو فكرة العمل مألوفة و متقاطعة بشكل كبير جداً مع مسلسلات سابقة مثل “بطل من هذا الزمان” و “سلسلة النجوم 5 و 6 و 7 و 8” و “عائلتي و أنا” فضلاً عن التشابه الكبير بالشخصيات أيضاً مع شخصيات مسلسل “مرسوم عائلي”، فهناك كما في أزمة عائلية: عائلة وأولاد وجيران يقعون في مشاكل كوميدية لطيفة تدور معهم ضمن لوكيشن واحد هو منزل أسرة العمل. وهذه النوعية من النصوص صعبة والتي تدور أحداثها في مكان واحد. وقد استطاع شربتجي إدارتها سابقاً بكل حرفية. وهذا الموسم في 2017 ومن جديد، تبدع كاميرا ” هشام” في إيصال الصورة العفوية لأعين المشاهدين. فرغم تكرار أفكار النص وضعفه واقترابه من الهزلية يبدو جهد المخرج واضحاً تماماً في جعل النص لا يصل لمستوى متدني كما صار شائعاً في الأعمال الكوميدية السورية، ليحاول بكل هدوء و عفوية توضيح فكرة كوميدية لطيفة وإبراز الممثلين على سجيتهم دونما حركات مبالغ بها إلا فيما ندر ودون صراخ وكلمات نابية أو مزعجة. فكانت عائلة “جهاد” مثالاً لعائلة لطيفة تأكلها الأزمة السورية والفساد من كل حدب وصوب ورغم هذا يأتي التجاوب معها بروحٍ مطاطة وبتعابير وجوه مضحكة وصلت القلوب بسلاسة.
“كيوان” الذي ارتكز على فكرة قديمة وكاريكترات مسبقة الصنع اعتمد في نصه على تفاصيل جديدة تتلاءم والعصر الحالي، إلا أن العمل و بشكلٍ شبه مؤكد لن يكون بهذا الشكل لو استلمه مخرج آخر “مع احترام جهود الجميع”.
فعبقرية ” شربتجي” استفزته لإدارة هذا النص ليعيد روح عائلاته القديمة بطريقة مبتكرة فنجح في هذا بنسبة جيدة جداً إجمالاً مقارنةً بأعمال أخرى كوميدية وحتى أعمال درامية تُعرض هذا العام، فلم يكن “أزمة عائلية” غائباً عن السوريين وحقق نسبة مشاهدة جيدة، ومن الواضح أن الجمهور اشتاق ليبتسم ببساطة ودون تكلف فنبستمَ وبدون تكلف أيضاً لهشام وعمله متمنين ألا نخسره لتبقى الكوميديا في أمان. الضعف غير موجود في قاموس “شربتجي” الذي يبث نَفَس كاميراه المعتّقة لتنسجم مع الورق والمُشاهِد والممثل فنضمن أننا أمام عمل جيد كوميدياً، خصوصاً أن مغامرته كانت مع وجوه لم تتمرّس الكوميديا تماماً كالمغامر “رشيد عساف” رب الأسرة والذي حاول جاهداً ألا يتصنّع البسمة و يبدو فجاً في عمل جديد عليه تقريباً، أما “رنا شميّس” الموهوبة لم يكن صعباً عليها أداء دور الأم الصغيرة الضحوك فكان دوراً موفقاً. وجاء اختيار المخرج للوجوه الشبابية الجديدة “نجاح مختار” و “طارق عبدو” و “ليا مباردي” أيضاً لا يخلو من المجازفة لكنها كُلِّلَت بالنجاح، فقد استطاعوا تحقيق ثلاثي مرح مختلف الطباع منسجم مع خفة ظل العائلة و مخرجها. بذلك خرح للنور عملٌ بسيط لطيف يُحكى بأمره ويجد له مكاناً في القلوب ضمن نتاج ما قدم من هذر في هذا الموسم.